ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﻭ ﺳﻴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ
ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺓ : ﻋﺰﻳﺰﺓ ﺧﺮﺍﺯﻱ
ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﻭ ﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻬﺎ ﺑﺎﻹﻃﺎﺭ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭ ﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﻫﻨﺎ ﺍﻻﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺪﺓ ﻋﻘﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭ ﻫﻲ :
ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻆ : ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﺾ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻭﻣﻦ ﺛﻤﺔ ﻻ ﻳﺮﺑﻂ ﺭﺑﻄﺎ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻤﻮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .
ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺮﺍﺩﻳﻜﺎﻟﻲ : ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺗﻘﻮﻡ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .
ﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻓﻬﻢ ﻇﺎﻫﺮﺓ ” ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ” ﺇﻥ ﺻﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ، ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﺒﺮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻭ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﻭ ﺍﻟﻤﺒﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻭﺭﺍﺀ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺣﺔ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺒﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻭﻣﺼﻨﻌﺔ ﻭﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺗﺘﺴﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ﻭ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻙ ﻓﻲ ﺟﻞ ﻣﺸﺎﺭﻳﻌﻬﺎ ﺍﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻭ ﺗﺘﺴﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺃﻭ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺗﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﺭﺑﻂ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭ ﻫﻨﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﺍﻟﺮﺑﻂ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻭ ﺍﻟﻨﻤﻮ …….. ﻟﻚﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺮﻥ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺑﺎﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳﺚ ﺃﻭ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﺘﺤﺪﻳﺚ ﻭ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﺣﺪ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﺮﻭﻕ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .
ﺑﻨﺎﺀﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﻋﻠﻤﻲ ﻭ ﻣﺨﻄﻂ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻌﻴﻦ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻑ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﻏﻮﺏ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺗﻌﺪﻳﻼ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﻭ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭ ﺗﺮﺷﻴﺪ ﺃﻭ ﻋﻘﻠﻨﺔ rationalisation ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻔﻴﺒﺮﻱ .
– ﻣـﺎﻛـﺲ ﻓـﻴـﺒــﺮ :
ﺇﻥ ﺃﻫﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺜﻴﺮ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﻭ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪﺩ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﻫﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺘﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻓﺮﻳﺪﺓ ﻻ ﺃﻗﻞ ﻭ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ، ﻋﻜﺲ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍﻟﺨﻤﺎﺳﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭ ﻣﺎ ﺗﻀﻤﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﻧﻤﻮ ﻣﻠﺤﻮﻅ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻀﺒﻮﻃﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﺖ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻠﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺜﺮﻭﺍﺕ، ﻭﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻮﻕ، ﻭﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻟﻠﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺍﺯﺍﻩ ﺣﻤﺎﺱ ﻣﺘﺰﺍﻳﺪ ﻭ ﺭﻭﺡ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻭ ﻛﻔﺎﺀﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﻔﺮﻏﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺰﺍﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﺻﺢ، ﻛﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻭ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺸﺎﻕ ﻭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ” ﺍﻟﺘﻘﺸﻒ ﻭ ﺍﻟﺰﻫﺪ ” ﻭﺿﺒﻂ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺜﺮﻭﺍﺕ ﻭ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ، ﻭﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ، ﻭﻫﺎﺗﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺇﻥ ﺻﺢ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻳﺘﻤﻴﺰﻭﻥ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻇﺮﻭﻑ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﺤﺴﺐ ﻓﻴﺒﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺘﺴﻢ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﺑﺎﻟﻜﺴﻞ ﻭ ﺗﻨﻌﺪﻡ ﻓﻴﻬﻢ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ .
ﻟﻘﺪ ﺳﻌﻰ ﻓﻴﺒﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪﻩ ﻳﺴﺘﻬﻞ ﻣﺆﻟﻔﻪ ” ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻭ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ” ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺇﺣﺼﺎﺋﻴﺔ ﻭ ﺫﻟﻚ ﺃ ﻥ ﺃﻏﻠﺐ ﻛﺒﺎﺭ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻬﺮﺓ ﻭ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﻬﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﺍﻟﻬﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺹ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺖ، ﻭﻫﺬﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ﺣﺴﺐ ﻓﻴﺒﺮ، ﻭﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﺍﺯﺩﻫﺎﺭﺍ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻇﻠﺖ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺎﺗﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻧﺴﺒﻴﺎ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺗﺨﻠﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺸﺎﻕ ﻭ ﺗﻔﺮﻏﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺴﻞ ﻭ ﺍﻟﺨﻤﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻓﻴﺒﺮ .
ﻳﺒﺪﻭ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺄﺛﺮ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻓﻴﺒﺮ ﻫﻮ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻓﻔﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻜﺎﻟﻔﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻭ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ، ﺇﺫ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻧﻬﺎ -ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻥﺗﻴﺔ – ﻗﺪ ﺷﻜﻠﺖ ﻧﺴﻘﺎ ﺛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﺣﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻧﺴﻘﺎ ﻗﻴﻤﻴﺎ ﻳﺤﻜﻢ ﺃﻭ ﻳﻀﺒﻂ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﻖ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﺑﻤﻨﺼﻒ ﺳﺒﺮ ﻧﻄﻴﻘﻲ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻬﺪ ﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺫﺍﺕ ﺻﻠﺔ ﺑﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺘﻘﺸﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻧﺤﻮ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﺍﻟﺘﻘﺸﻔﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺏ ﻣﻨﻪ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻓﻘﻂ، ﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻻﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻲ ﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺼﻔﻪ ﻓﻴﺒﺮ ﺑﺎﻟﻨﺰﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﺸﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭ ﺍﻟﺘﻘﺸﻒ ﻭ ﺍﻻﺩﺧﺎﺭ ﻭﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻛﻘﻴﻤﺔ ﻛﺎﻟﻔﻴﻨﻴﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻧﻔﺎﻗﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﻧﻴﻮﻱ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻟﺮﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ .
ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻬﺎﻣﺔ ﻻﺯﺩﻫﺎﺭ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺘﺮﻧﺴﻨﺪﻧﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻲ ﻭ ﺍﻻﺯﺩﻭﺍﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺴﻲ، ﻭﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺎﺩﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻭﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﺇﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺃﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ، ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺇﺣﺪﻯ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺭﻓﺾ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻹﻧﺠﺎﺯ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﻛﻔﺎﺀﺓ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺠﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻠﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺬﻫﺒﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﻟﻔﻴﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺎﺩﻯ ﺑﻪ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ .
ﻭ ﻗﺪ ﻣﺜﻠﺖ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭﺍ ﻟﻠﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺼﺎﺏ ﺃﺑﺪﺍ ﺑﺘﺨﻤﺔ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻈﻞ ﺳﺎﻋﻴﺎ ﺑﺪﺃﺏ ﻧﺤﻮﻩ، ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺘﺒﺮ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﻟﻤﻨﺎﺷﻂ ﺍﻟﻜﺴﺐ، ﻓﺎﻟﻨﺴﻖ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺘﻪ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺮﺕ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻭ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻳﺘﻪ، ﻓﺎﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻫﻮ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺒﻮﺭﺟﻮﺍﺯﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺄﺧﻼﻕ ﺫﺍﺕ ﻃﺎﺑﻊ ﻋﻘﻼﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﺷﻜﻞ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻭ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻓﻤﺎ ﻳﺸﻜﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﻟﻠﺮﺑﺢ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ……. ﻣﺪﻋﻤﺔ ﺃﺧﻼﻗﻴﺎ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ، ﻓﻜﺴﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎ ﺃﺧﻼﻗﻴﺎ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ .
ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ :
…. ﻟﻮﺍ ﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﺮﻭﺍ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻀﺎﺩ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻛﺲ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺑﻤﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ، ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻬﻢ ﻟﻠﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻔﻴﺒﺮﻳﺔ، ﻭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺧﻄﺄ ﻛﺒﻴﺮﺍ، ﻷﻥ ﻓﻴﺒﺮ ﻛﺎﻥ ﺭﺍﺋﺪﺍ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺪﻋﻮﻩ ﺑﺎﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ Le marxisme symbolique ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﺒﺮ ﻳﻘﻮﻝ “: ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ ” .
ﻭ ﺃﻭﻝ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﺧﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﺮ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻤﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺄﺳﺲ ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﺩﻫﺎ ﻓﻴﺒﺮ ﻣﻊ ﺷﺒﺢ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ .
ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥ ﻓﻴﺒﺮ ﻗﺪ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻣﻊ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ، ﻟﻴﺲ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻭ ﺇﻧﻤﺎ ﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺠﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻄﺮﻕ ﻟﻬﺎ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭ ﺣﻮﺍﺭ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺃﻭ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ، ﻓﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺮﻭﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺃﻭ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻼ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ( ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭ ﻓﻴﺒﺮ ) ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ، ﻭ ﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺘﻌﺮﺽ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻛﺎﻥ ﺍﻗﺘﺮﺍﺑﺎ ﻋﻠﻤﻴﺎ ﻣﻦ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﻭ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﻭ ﻣﺪﺍﺧﻞ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻭ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻛﻤﻮﻗﻒ ﺷﺨﺼﻲ ﻷﻱ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺿﺪ ﺍﻷﺧﺮ .
ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﻮﺻﻒ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺍﻟﺒﻮﺭﺟﻮﺍﺯﻱ ﻷﻧﻪ ﺍﻫﺘﻢ ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻫﺘﻢ ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭﻫﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺃﺳﻠﻮﺑﺎ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺍﻧﻄﻠﻘﺎ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺘﻲ ﻧﻈﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭ ﻣﺘﻌﺎﺭﺿﺔ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺗﻄﺮﻗﺎ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ .
ﻭ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺬﺑﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭﻓﻴﺒﺮ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻗﺪ ﺍﻧﺼﺐ ﻛﻞ ﺟﻬﺪﻩ ﻭ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺍﻫﺘﻢ ﺑﻔﻬﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﻓﻴﺒﺮ ﻟﻢ ﻳﺮﻓﺾ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻲ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺠﺪﻩ ﻗﺪ ﻭﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻋﻤﻘﺎ ﻟﻜﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ .
ﻭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﻧﺠﺪ ﺗﺎﻟﻜﻮﺕ ﺑﺎﺭﺳﻮﻧﺰ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺛﻤﺔ ﺻﻠﺔ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ( ﻣﺎﻛﺲ ﻭ ﻓﻴﺒﺮ ) ﻭ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﻋﻠﻤﻴﺎ ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﻭ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ ﺻﺪﺍﻫﺎ ﻭ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ .
ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺻﺪﺭﺕ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ” ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ” ﺑﺄﻥ ﻓﻴﺒﺮ ﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺍﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﻸﺩﻳﺎﻥ ﻭ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎﺩﻳﺔ، ﻓﺒﻮﺭﺩﻳﻮ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﺪﻯ ﻓﻴﺒﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﺪﻯ ﻣﺎﺭﻛﺲ، ﻷﻥ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻗﺪ ﺍﻛﺘﻔﻰ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﺃﻣﺎ ﻓﻴﺒﺮ ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺫﻟﻚ ﻭ ﺍﺗﺨﺬ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻟﺪﺭﺍﺳﺘﻪ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﻴﻦ .
ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻣﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺼﻮﺭ ﺃﻛﺜﺮ ﺯﻳﻔﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻧﺘﺨﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻓﻴﺒﺮ ﺃﺳﺲ ﻣﺸﺮﻭﻋﺎ ﻳﺘﻨﺎﻗﺾ ﺑﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ﻓﻔﻴﺒﺮ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ، ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﻘﻂ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻓﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﻨﻔﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺾ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ .
ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﺔ ﻟﻤﺎﻛﺲ ﻓﻴﺒﺮ :
ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﻧﻈﺮ ﻓﻴﺒﺮ ﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﻋﺪﺓ ﺑﻞ ﻭ ﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﻟﺠﺪﻝ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ، ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ 15 ،ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻟﻪ ﺃﺳﺲ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﺑﻞ ﺇﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺭﺩ ﻓﻌﻞ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺏ 15 ﻗﺮﻧﺎ، ﻭ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺎﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، ﻭ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﻳﺆﺛﺮﺍﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻗﺪ ﻧﺸﺄﺕ ﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﺰﻳﻒ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭ ﺭﻓﺾ ﻟﻜﻞ ﺳﻠﻄﺔ ﺗﺘﻮﺳﻂ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻲ ﺇﺫﻥ ﺩﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ﻭ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺭﻓﺾ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ﻭ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺩﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻨﻮﻧﺖ ﺑﺮﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺤﺮ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻛﻤﺎ ﻳﻀﺎﻑ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻝ ﺍﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﺯ ﺗﻘﺪﻣﺎ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻭ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﻨﻰ ﻧﺰﻋﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻓﻴﺒﺮ ﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﻐﻔﻞ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﺜﻞ : ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ، ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺃﻣﻮﺭ ﻳﺠﺐ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻚ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺻﻔﻬﺎ ﻧﻤﻄﺎ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻷﻧﻬﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻧﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺣﺪﻳﺜﺔ .
ﻭ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﻬﺖ ﻟﻔﻴﺒﺮ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻻﺋﻞ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻨﻔﻮﺛﻴﺔ ﻣﺜﻼ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ﻛﻨﻔﻮﺵ ﺗﻀﻤﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻛﺨﻴﺮ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻳﻀﺤﺪ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻓﻴﺒﺮ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪ ﻣﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ 19 ﻡ ﺗﻐﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﺮﻏﻢ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﺯ ﺗﻘﺪﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻭ ﻫﺎﺋﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻘﻘﺖ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺭﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺎ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻓﻴﺒﺮ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻭ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻛﺘﻔﻰ ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ “: ﺍﻷﺧﻼﻕ
ﻳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ” ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺏ 6 ﺩﻳﺎﻧﺎﺕ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭﻫﻲ : ﺍﻟﻜﻨﻔﻮﺷﻴﺔ، ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﻛﻴﺔ، ﺍﻟﺒﻮﺫﻳﺔ، ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ، ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺃﺛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎ.