من هو ابن زيدون؟
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي الأندلسي والشهير بـابن زيدون ولد في قرطبة عام (394هـ/1003م)، درس القرآن الكريم في صغره، وتعلم اللغة العربية وآدابها وبرع في الشعر والنثر.
توفي والد ابن زيدون وهو في سن الحادية عشر فكفله جده لأمه فأحسن نشأته، كان وزيرا لأمير قرطبة أبي الوليد بن جهور، كما أصبح سفير أمراء الطوائف في بلاد الأندلس، لكنه اتهم بولائه للمعتضد بن عباد حاكم أشبيليه، فحبس إلى حين تمكن من الفرار، واحتل المعتمد بن عباد مدينة قرطبة وضمها لملكه فأعاده للوزارة، ثم أرسله إلى إشبيلية لإخماد نار الفتنة التي ثارت فيها، واستمر في الإقامة بها وحظي بمكانة عالية إلى أن توفي في الفاتح من شهر رجب 463 هـ الموافق لـ 4 أبريل 1071م) بعد مرض أصابه.
ابن زيدون وولادة
اقترن اسم ابن زيدون باسم ولادة بنت المستكفي، وهي أميرة وشاعرة من نسل بني أمية، وقد أقيم لهما نصب تذكاري في ساحة مارتيليه وسط مدينة قرطبة وسمي “نصب الحب”، وهو عبارة عن لوح رخامي مستطيل أعلاه يدان تتلامس أصابعهما، تمثيلا ليدي ولادة وابن زيدون.
كتب على النصب شعر عربي لابن زيدون وولادة، تعلوه الترجمة إلى اللغة الإسبانية.
وأبيات الشعر الخاصة بولادة تقول:
أغار عليك من عيني ومني | ومنك ومن زمانك والمكانِ |
ولو أني خبأتك في عيوني | إلى يوم القيامة ما كفاني. |
أما أبيات ابن زيدون فهي:
يا من غدوت به في الناس مشتهرا | قلبي يقاسي عليكم الهم و الفكر |
أَيا من إن غبت لم ألقَ إنسانًا يؤانسني | وإن حضرت فكلُّ الناس قدْ حَضَرا |
لكن ابن زيدون وولادة افترقا للأبد، وتختلف الروايات في سبب تباعدهما، وقيل أنهما ضحية مكائد سياسية وخطط الحاسدين، كما يروى أنه أراد إثارة غيرتها بمغازلة جارية لها فاستاءت كثيرا وقررت قطع حبل الوصال بينهما، ورغم محاولاته الكثيرة في استعطافها إلا أنها رفضت في حين تقربت من الوزير أبي عامر بن عبدوس.
نونية ابن زيدون
بعد فقدان ابن زيدون لولادة كتب أجمل وأعذب قصيدة فراق لها، وقد اشتهرت هذه المنظومة وذاع صيتها لما بها من أحاسيس وجد ولوعة وأسى يلفها حنين وشوق البعاد، ولكل متذوق للشعر أن يستمتع بهذه الرائعة الشعرية:
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا | وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا | |
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا | حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا | |
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ | حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا | |
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا | أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا | |
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا | بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا | |
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا | وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا | |
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا | فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا | |
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم | هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا | |
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم | رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا | |
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ | بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا | |
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ | وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا | |
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا | شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا | |
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا | يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا | |
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت | سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا | |
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا | وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا | |
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً | قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا | |
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما | كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا | |
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا | أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا | |
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً | مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا | |
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ | مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا | |
وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا | إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا | |
وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا | مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا | |
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً | مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا | |
رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ | مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا | |
أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ | مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا | |
إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً | تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا | |
كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه | بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا | |
كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ | زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا | |
ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً | وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا | |
يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا | وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا | |
وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها | مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا | |
وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ | في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا | |
لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً | وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا | |
إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ | فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا | |
يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها | وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا | |
كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنَا | وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا | |
إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم | في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا | |
سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا | حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا | |
لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت | عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا | |
إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَراً | مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا | |
أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ | شُرَباً وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا | |
لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ | سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا | |
وَلا اِختِياراً تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ | لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا | |
نَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً | فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا | |
لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا | سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا | |
دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً | فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا | |
فَما اِستَعَضنا خَليلاً مِنكِ يَحبِسُنا | وَلا اِستَفَدنا حَبيباً عَنكِ يَثنينا | |
وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ | بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا | |
أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً | فَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا | |
وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ | بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا | |
عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت | بابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا. |
آثار بن زيدون
أبدع ابن زيدون في الكتابة ونظم الشعر، وقد ترك ديوانا شعريا نفيسا يتميز بعذوبة لفظه ووضوح معناه، وقد تنوعت قصائده بين الغزل العفيف الرقيق الذي يصف حبه لولادة، والمدح للولاة مثل مدحه أبو الحزم بن جهور ، وابنه أبو الوليد بن أبي الحزم، والمعتضد بن عباد وابنه المعتمد بن عباد، كما لم يغفل عن الثناء والفخر بنفسه وذكر حساده وما ناله من مصاب جراء دسائسهم وحقدهم
كما خلف ابن زيدون مجموعة من الرسائل تعكس سمات عصره السياسية والاجتماعية، وتنقل الكثير من الأحداث التي عايشها في بلاد الأندلس.
آثار قيمة كلها متعة وعذوبة لايمل القارئ من تكرارها مرات ومرات، إنها علامة مميزة للشاعر الأندلسي ابن زيدون والحديث ذو شجون.