العشر الأواخر من رمضان

العشر الأواخر من رمضان

تقديم

كان النبي صلي الله عليه وسلم دائما يوصي أصحابة وأهله بالعشر الأواخر من رمضان وخاصة لأن فيها ليلة القدر والتي كما قال الله عز وجل خير من ألف شهر كما فضل الله سبحانه وتعالى أياما علي أيام وشهورا على شهور‏,‏ حتى شهر رمضان الذي فضله الله على باقي الشهور‏,‏ فضل فيه العشر الأواخر عن باقي ايامه وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر‏.وقد قال الله تعالي في القرآن الكريم: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) سورة القدر, وهي أيام العتق من النار, كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه أهل السنن.

نحن في شهر كثير خيره، عظيم بره، جزيلة بركته، تعددت مدائحه في كتاب الله تعالى، وفي أحاديث رسوله الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، والشهر شهر القرآن والخير، وشهر عودة الناس إلى ربهم في مظهر إيماني فريد، لا نظير له ولا مثيل.

وإذا كان المسلم يجتهد في العبادة والصلاة وقراءة القرآن طوال أيام رمضان, فعليه أن يكثر من الطاعات ويزيد من فعل الخير في العشر الأواخر, وأن يضاعف عمله في الوتر من العشر الأواخر, لأنه لو صادف ليلة القدر بهذه الطاعات فإنها تعادل عبادة83 عاما وأربعة أشهر, وهذه رسالة لكل صائم أن يجتهد في العشر الأواخر, وكل من لم يجتهد في أيام رمضان فلديه فرصة للحصول علي الأجر والثواب في هذه الأيام الكريمة.

كما أكد علماء الدين أن العشر الأواخر من رمضان فرصة لابد أن يغتنمها المسلم, فهي أيام العتق من النار, والاجتهاد في العبادة فيها ضرورة لابد أن يقوم بها المسلم, وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق أن ليلة القدر, ليلة ذات قدر لرسول ذي قدر علي أمة ذات قدر, وقد نزل فيها القرآن الكريم دستور الأمة, وقيام هذه الليلة يعدل قيام ألف شهر أي ما يعادل83 سنة وأربعة أشهر.

وقد أخفي الله عز وجل ليلة القدر من بين العشر الأواخر من رمضان حتى يجتهد الناس في العبادة ولا يتكاسلوا, ولكن أغلب آراء العلماء أنها في ليلة السابع والعشرين من رمضان, وقال الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف  “التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان” وفي هذه الليلة تنزل الملائكة إلى السماء الدنيا  يصلون ويسلمون على كل قائم أو قاعد يذكر الله تعالى و يجتهدون في العبادة والصلاة وقراءة القرآن الكريم, وقد قال صلي الله عليه وسلم عن فضل هذه الليلة: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

ويوصي علماء الدين بضرورة الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان, كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم, وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه جامعة الأزهر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر, وقالت أم سلمة رضي الله عنها :لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه, وهذا يدل علي حرصه صلي الله عليه وسلم علي الاجتهاد في العبادة في هذه الأيام ودعوة غيره ليحذو حذوه في ذلك من أهله أو من غيرهم, بغية إصابة ليلة القدر التي ورد في القرآن الكريم فضلها

كما وأن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر, وقد حث رسول الله صلي الله عليه وسلم من أصحابه وغيرهم إحياء هذه العشر بالعبادة والذكر, فقد كان الرسول الكريم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان, فاعتكف عاما, حتى إذا كانت ليلة أحدي وعشرين, وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه, قال من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وما ذلك إلا لحرصه على الاجتهاد في العبادة والذكر في هذه الأيام. ويضيف أن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم حرص علي أن يفيد أصحابه وأهله من الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر, وبغية إصابة ليلة القدر, وقال أبو سعيد الخدري:

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجاور في العشر التي في وسط الشهر, فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة ويستقبل أحدي وعشرين يرجع إلي مسكنه ورجع من كان يجاور معه, فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر, فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفة, وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها, فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر.

ووجه علماء الدين بعض النصائح للصائمين بهدف استغلال العشر الأواخر, وطالبوا بأن يحرص المسلم علي أن تكون هناك ختمه جديدة للقرآن في العشر الأواخر, وأن تشهد ليالي الوتر مزيدا من القيام والدعاء, وقال الدكتور عادل هندي المدرس المساعد بكلية الدعوة بجامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي فضل أشياء على أشياء وأياما على أيام وشهورا على شهور وبشرا على بشر, حتى في رمضان الذي فضله علي غيره من الشهور ففيه أيام تفضل على غيرها حتى في رمضان ذاته, وهي أيام العشر الأواخر منه, وليلة هي خير من ألف شهر, إنها ليلة العمر ليلة الحظوة والمكانة, ليلة القدر العالي, فإن ضاع منك صيام رمضان إيمانا واحتسابا, وقيامه إيمانا واحتسابا, فتذكر أخي المسلم هذا الحديث الشريف :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (1901)، ومسلم (759) فهل هناك شرف ومكانة وثواب أعظم من العفو والغفران من الرحيم الرحمن ؟.

فالمسلم مطال بأن يجدد العزم ويوقظ الهمة كما كان يفعل رسول الله صلي الله عليه وسلم في العشر الأواخر, ويمكن استغلال العشر الأواخر بطريقة تجعل المسلم يحصل علي الكثير من الثواب والأجر, فعلى كل مسلم أن يستغل الليالي الوترية, من أجل ليلة القدر, والأفضل استغلال العشر كلها في الصيام الحسن والقيام الحسن الكامل, مع البدء في ختمة جديدة للقرآن الكريم, لا سيما لو كان المسلم معتكفا فيجعل من هذه الختمة ختمة تلاوة وتدبر ومعان وتفسير

ولابد أن نكثر من الدعاء لا سيما دعوة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد تعلمتها من نبينا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني فإنه إذا عفا عنك وأعتق رقبتك فاطمئن, لأنه لن يأسرك أبدا, ولابد في العشر الأواخر من رمضان بالتصدق بصدقة لم تتصدق بها من قبل فالصدقة تطفئ غضب الرب, وعلي كل مسلم أن يخرج زكاة الفطر وأن يبحث عن اليتيم والفقير ليدخل السعادة عليه قبل العيد.

إذن لماذا نستغل العشر الأواخر من رمضان

إن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة، والنفحات فيها كريمة؛ ولذا فهو يغتنمها، ويرى أن من الغبن البين تضييع هذه المواسم، وتفويت هذه الأيام، وليت شعري إن لم نغتنم هذه الأيام، فأي موسم نغتنم؟! وإن لم نفرغ الوقت الآن للعبادة، فأي وقت نفرغه لها؟!

لقد كان رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- يُعطي هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها “أن النبي كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”، “وكان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي المسند عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه و سلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر”.

أيها الناصح لنفسك: تذكر أنها عشر ليال فقط تمر كطيف زائر في المنام، تنقضي سريعًا، وتغادرنا كلمح البصر، فليكن استقصارك المدة معينًا لك على اغتنامها.

– تذكر أنها لن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندري ما الله صانع فيه، وعلى من تعود، وكلنا يعلم يقينًا أن من أهل هذه العشر من لا يكون من أهلها في العام القادم، أطال الله في أعمارنا على طاعته.

وهذه سنة الله في خلقه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. وكم أهلكنا الشيطان بالتسويف وتأجيل العمل الصالح! فها هي العشر قد نزلت بنا، أبعد هذا نسوِّف ونُؤجل؟!

– تذكر أن غدًا تُوَفَّى النفوس ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساءوا فبئس ما صنعوا.

– تذكر أن فيها ليلة القدر التي عظّمها الله، وأنزل فيها كتابه، وأعلى شأن العبادة فيها، فـ”من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه” (أخرجه الشيخان).

والعبادة فيها تعدل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].

فلو قُدِر لعابد أن يعبد ربه أكثر من ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، وقام موفَّق هذه الليلة وقُبلت منه، لكان عمل هذا الموفَّق خير من ذاك العابد، فما أعلى قدر هذه الليلة! وما أشد تفرطنا فيها! وكم يتألم المرء لحاله وحال إخوانه وهم يفرطون في هذه الليالي وقد أضاعوها باللهو واللعب والتسكع في الأسواق، أو في توافه الأمور!!

– تذكر أنك متأسيًا بخير الخلق محمد صلى الله عليه و سلم ، وقد تقدم بعض هديه خلال العشر، فاجعله حاملاً لك لاغتنام هذه الليالي الفاضلة.

وقد خص هذا الشهر العظيم بميزة ليست لغيره من الشهور، وهي أيام عشرة مباركة هن العشر الأواخر التي يمن الله -تعالى- بها على عباده بالعتق من النار، وها نحن الآن في هذه الأيام المباركات، فحق لنا أن نستغلها أحسن استغلال، وهذا عن طريق ما يلي:

– الاعتكاف في أحد الحرمين أو في أي مسجد من المساجد إن لم يتيسر الاعتكاف في الحرمين؛ فالاعتكاف له أهمية كبرى في إقبال المرء على ربه، والكف عن كثير من المشاغل التي لا تكاد تنتهي، فمتى اعتكف المرء انكف عن كثير من مشاغله، وهذا مشاهد معروف، فإن لم يتيسر للمرء الاعتكاف الكامل، فالمجاورة في أحد الحرمين أو المكث ساعات طويلة فيهما أو في أحد المساجد.

إحياء الليل كله أو أكثره بالصلاة والذكر؛ فالنبي كان إذا دخل العشر أيقظ أهله وأحيا ليله وشد المئزر، كناية عن عدم قربانه النساء. وإحياء الليل فرصة كبيرة لمن كان مشغولاً في شئون حياته -وأكثر الناس كذلك- ولا يتمكن من قيام الليل، ولا يستطيعه، فلا أقل من أن يكثر الناس في العشر الأواخر القيام وإحياء الليل.

والعجيب أن بعض الصالحين يكون في أحد الحرمين ثم لا يصلي مع الناس إلا ثماني ركعات مستندًا إلى بعض الأدلة، وقد نسي أن الصحابة والسلف صلوا صلاة طويلة كثير عدد ركعاتها، وهم الصدر الأول الذين عرفوا الإسلام وطبقوا تعاليمه أحسن التطبيق، فما كان ليخفى عليهم حال النبي ولا تأويل أحاديثه الشريفة، وحملها على أقرب المحامل وأحسن التأويلات.

النفحات الإلهية في العشر الأواخر- ولا ننسى أن في العشر الأواخر ليلة هي أعظم ليالي العام على الإطلاق، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ بمعنى أنه لو عبد المرء ربه 84 سنة مُجِدًّا مواصلاً، فإصابة ليلة القدر خير من عبادة تلك السنوات الطوال، فما أعظم هذا الفضل الإلهي الذي من حرمه حُرم خيرًا كثيرًا!! والمفرط فيه فد فرط في شيءٍ عظيم. وقد اتفقت كلمة أكثر علماء المسلمين أن هذه الليلة في الوتر من العشر الأواخر، وبعض العلماء يذهب إلى أنها في ليلة السابع والعشرين، وقد كان أبيُّ بن كعب يقسم أنها ليلة السابع والعشرين، كما في صحيح مسلم.

الإكثار من قراءة القرآن وتدبره وتفهمه، والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى، فهذه الأيام محل ذلك ولا شك.

والعجب أنه مع هذا الفضل العظيم والأجر الكريم يعمد الناس إلى قضاء إجازتهم التي توافق العشر الأواخر في الخارج، فيحرمون من خير كثير. وليت شعري ما الذي سيصنعونه في الخارج إلا قضاء الأوقات في التنزه والترويح في وقت ليس للترويح فيه نصيب، بل هو خالص للعبادة والنسك. فلله كم يفوتهم بسبب سوء تصرفهم، وضعف رأيهم في صنيعهم!! فالعاقل من وجه قدراته وأوقاته للاستفادة القصوى من أيام السعد هذه.

لا ينبغي أن ننسى في هذه العشر أن لنا إخوانًا في خنادق الجهاد والعدو قد أحاط بهم وتربص، ونزلت بهم نوازل عظيمة، فلا ينبغي أن ننساهم ولو بدعاء خالص صادر من قلب مقبل على الله تعالى، وصدقة نكون نحن أول من يغنم أجرها. ولا ننسى كذلك الفقراء والمساكين، خاصة وأن العيد مقبل عليهم.

كيف تغرسي في ابنك بذرة العشر الأواخر

أيتها الأم الحنون، ازرعي في طفلك هذه التعليمات وطبقيها؛ كي يدرك العشر الأواخر وفضلها ويقوم بالعبادة، ثم ليعتاد عليها في سني حياته المقبلة، وهي كالتالي:

1– قبل دخول موعد العشر الأواخر حدِّثيهم عن فضلها، وعن مضاعفة الحسنات فيها، وناقشيهم في الأخطاء التي وقعوا فيها في العشر الأواخر الماضية.

2– اصحبيه إلى صلاة التراويح ليعايش روح العشر الأواخر ورمضان من صغره، ويمكن أن يشارك في صلاة الركعات الأربع الأولى فقط.

3– حددي للعبادات أوقات محددة في جدول أعمال أطفالك، (مثل: الصلاة في وقتها/ الصلاة في المسجد/ قراءة ورد ثابت من القرآن/ الأذكار… وهكذا). وراجعي أداءهم في نهاية كل يوم؛ لتحفيزهم معنويًّا وماديًّا.

4– إذا كان أطفالك صغارًا فلا تنسي أن تشركهم معك في عباداتك، كلٌّ حسب طاقته.. يقول ابن القيم: “فإن العزائم والهمم سريعة الانقباض، والله I يعاقب من فتح له بابًا من الخير فلم ينتهزه؛ فإنه يحول بينه وبين إرادته”.

5– اجعلي له وقتًا خاصًّا لقراءة القرآن لا يضيعه أبدًا. وتحددين له فيه مقدارًا مناسبًا للتلاوة قابلة للزيادة وليس النقصان!!

اعلمي أنك إن فعلت ذلك غرست في طفلك أن رمضان والعشر الأواخر موسم للقربات، وسيستمر ما غرسته فيه عندما يكبر، فيكون لك نصيب من كل أجرٍ سيحصده مستقبلاً. أسأل الله -تعالى- التوفيق في هذه العشر الأواخر، وأن نحسن استغلال الأوقات فيها ،ليتجاوز الله عنا السيئات و العثرات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


كتبه : أسامة فكري لموقع معين المعرفة

اقرأ أيضا : أدعية العشر الأواخر مكتوبة

427 مشاهدة