الكَتْكُوتُ وَالحَدَأَةُ

الكَتْكُوتُ وَالحَدَأَةُ

القصة التاسعة من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، رسوم د. صفا لطفي العراقية، تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).

رسوم د / صفا لطفي

كانَ هُناكَ كَتْكوتٌ يَعيشُ معَ إِخْوَتِه الكَتاكيتِ العَشْرَةِ ، في حالَةٍ منْ المَرَحِ

والَسعادَةِ ، يَعيشونَ  في حَظيرَةٍ جَميلَةٍ مُحاطَةٍ بِالأَسْوارِ لِحِمَايَتِهِمْ ، كانوا  يِقْضونَ  أَوْقاتَهُمْ  في غِناءٍ ومَرَحٍ  ولَعِبٍ ،  كانتْ أُمُّهُمْ تَرْعَاهُمْ  وتَضُمُّهمْ تَحْتَ جَناحَيْها  بِحُبٍّ  وحَنانٍ . 

  كانَتْ هُناكَ حَدَأةٌ  كَبيرةٌ تُريدُ أنْ تَصْطادَ فَريسَةً لِتَعودُ إلَي أَوْلادِها الصِغارِ الجَوْعَى في العُشِّ  .

 ظَلَّتْ تُحَلِّقُ في الجَوِّ فَلَمْ تَجِدْ شَيْئاً  . نَظَرَتْ منْ بَعيدٍ فَوَجَدَتْ هُناكَ حَظيرَةً جَميلَةً  لَها سُورٌ كَبيرٌ .

 وقَفَتْ الحَدَأَةُ عَلي سورِ الحَظيرَةِ فَوَجَدَتْ أُسْرَةً جَميلَةً مُتَرابِطَةً , دَجاجَةٌ مَعَها أَوْلادُها تَرْعاهُمْ ولا تُفارِقَهُمْ , وَوَجَدَتْ أنَّ مَعَهُمْ في الحَظيرَةِ كَلْبٌ صَغيرٌ ولَكِنَّهُ شَرِسٌ يَحْمي هَذِهِ الحَظيرَةِ  .

 ظَلَّتْ الحَدَأةُ  تَتَرَقَّبُ حتَّي رَأَتْ  كَتْكوتاً جَميلاً نَشيطًا،  يَسيرُ وَحْدَهُ بَعيداً  عنْ  إِخْوَتِهِ،  حَيْثُ  كانَ يُحاوِلُ القَفْزَ وَحْدَهُ بِجِوارِ جِدارِ السورِ , نادَتْ الحَدأَةُ علَى الكَتْكوتِ وقالتْ : عزيزي الكَتْكوتُ ، أَنْتَ كَتْكُوتٌ نَشيطٌ  وجَميلٌ  ومُمَيَّزٌ بينَ أَصْحابِكَ، وأُحِبُّ أنْ أَصْحَبُكَ مَعي إلَى عُشِّي لِكَيْ يَراكَ أَبْنائي الصِغارُ،  إِنَّهُمْ  يُحِبُّونَكَ كَثيراً  وَيَتمَنَّوْنَ  أنْ يرَوْنَكَ  ، أَرْجوكَ يا صَديقي الصَغيرُ لا تَمْلَأْ  قَلْبَ أَطْفالي حُزْناً،  سَوْفَ  يَمْتَلئُ  عُشُّنا بالْفَرَحِ حينَ  تَأْتي ,  قالَ الكَتْكوتُ : منْ أَنْتَ  ؟  إِنَّني قدْ شَعَرْتُ بانْقِباضٍ في صَدْري  وخَوْفٍ حينَ رَأَيْتُكِ ,  لِماذا لا تَنْـزلي وتَلْعَبي مَعَنا ؟  قالَتْ الحَدأَةُ : إنَّ ساقي مُصابَةٌ،  ولا أَسْتَطيعُ أنْ أَهْبِطَ علَى الأَرْضِ   , أَرْجوكَ يا صَديقي الكَتْكوتُ لا تَرْفُضْ طَلَبي  .

 سَمِعَتْ الدَجاجَةُ  صَوْتَ  الحَدَأَةِ ، فَصَرَخَتْ  وقالتْ :  لا تَسْمَعْ كَلامَها يا بُنَّي  إنَّها كَذّابَةٌ ، إنَّها  تُريدُ أنْ تَفْتَرِسَكَ , وتُقَدِّمَكَ وَجْبَةً سَهْلَةً لأَوْلادِها ،  لا تَنْظُرْ إِلَيْها،   إنَّها مُخادِعَةُ  .

قالَتْ لَها الحَدَأَةُ : أيَّتُها الدَجَاجَةُ ، ألَا تُحِبِّينَ أنْ يَجْلِسَ كَتْكُوتَكِ  فَوْقَ الأَغْصانِ ،

ويَرَى جَمالَ الطَبيعَةِ  ؟ سَوْفَ  أَجْعَلُهُ يَرى جَمالَ الدُنْيا ، أَتُريدينَ أنْ تَحْبِسيهِ في حَظيرَتِكِ ، يَعيشُ حيَاةَ الخَوْفِ والقَلَقَ  ,  أُعْجِبَ الكَتْكوتُ بِكَلامِ الحَدَأةِ ،  وجرى نَحْوَها مُعْجَباً بِكَلامِها ,

الكَتْكُوتُ وَالحَدَأَةُ 1
الكَتْكُوتُ وَالحَدَأَةُ 4

وفَرِحَتْ الحَدَأَةُ  بِالْكَتْكُوتِ ، وطارَتْ نَحْوَهُ بِسُرْعَةٍ ، وحَمَلَتْهُ  بَيْنَ رِجْلَيْها ،  وهُوَ فَرِحٌ ومَسْرورٌ ،  بَيْنَما كانَتْ الأُمُّ تَصْرُخُ ،  وصَرَخَ الأَوْلادُ  كُلُّهُمْ حينَ وَجَدوا أُمَّهُمْ تَصْرُخُ  , بَيْنَما الكَتْكُوتُ بَيْنَ رِجْلَيْ الحَدأَةِ يَضْحَكُ ويَقولُ لَهُمْ : لا تَقْلَقوا ، سَوْفَ أَعودُ  إِلَيْكُمْ  بِسُرْعَةٍ  .

أَخَذَتْ  الحَدَأَةُ الكَتْكوتَ وطَارَتْ بهِ إلَى عُشِّها  .

  وفَرِحَ أَولادُها  بالكَتْكوتِ وقالوا  لَها : شُكْراً لَكِ يا أُمَّاهُ , لَقَدْ أَتَيْتِ لَنا بِطَعامٍ  لَذيذٍ  . كَتْكوتٌ لَطيفٌ وشَكْلُهُ جَميلٌ ،   شُكْراً لكِ يا أُمَّاهُ  .

سَمِعَ الكَتْكوتُ هَذا الكَلامَ , فَفَزِعَ  وقالَ : أَحَقّاً أَصْبَحْتُ  فَريسَةً لَهُمْ  ؟  أَكُنْتِ تَخِدَعيني أَيَّتًها الحِدَأَةُ  ؟ قالَتْ الحَدَأةُ  بِسُخْرِيَةٍ  مِنْهُ :  و ماذا يَنْتَظِرُ الكَتْكوتُ منْ الحَدَأَةِ  ؟  أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّني سَأَطيرُ بِكَ في الفَضاءِ وأُحَلِّقُ  ؟

 لَسْتَ إلاَّ فَريسَةً لَنا  وطَعَامٌ لِأوْلادِي الجَوْعَي .

  شَعَرَ الكَتْكوتُ بِأَنَّهُ  قَدْ  خُدِعَ ، وبِأَنَّهُ  كانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَسْمَعَ كَلامَ أُمِّهِ ،  إِنَّهُ يَسْتَحِقُ العِقابَ ، ثمَّ قالَ مُحَدِّثاً نَفْسَهُ :  لا بُدَّ أنْ أُنْقِذَ نَفْسي .

انْتَظَرَ قَليلاً ثُمَّ قالَ :  أَيَّتُها الحَدَأَةُ : إِنَّكِ الآنَ قدْ حَصَلْتِ علَى كَتْكوتٍ  واحِدٍ  صَغيرٍ، لنْ يَكْفي أَوْلَادَكِ ، ولَكِنْ إِنْ تَرَكْتِني حُرَّاً  سَوْفَ أَدُلُّكِ عَلَى مِكانٍ فيهِ عَشْرَةُ كَتاكيتٍ  أَكْبَرُ حَجْماً منِّي، ولا أُمَّ مَعَهُمْ ، لَقَدْ ماتَتْ أُمُّهُمْ مُنْذُ يَوْمَيْنِ،  ولا يوجَدُ  منْ يَحْميهِمْ  مِنْكِ ،  وهُمْ في حَظيرَةٍ صَغيرَةٍ بَعيدَةٍ عنْ الآَخَرينَ فَلَنْ يُنْجِدَهُمْ مِنْكِ  أَحَدٌ ، قالَتْ الحَدَأَةُ :  عُصْفورٌ في اليَدِ  خَيْرٌ منْ عَشْرَةٍ علَى الشَجَرَةِ ،  أَنْتَ أيُّها الكَتْكوتُ تَتَكَلَّمُ عنْ كَتاكيتٍ ماتَتْ أُمُّهمْ فَلا بُدَّ أَنَّهُمْ ذَهَبوا لِيَعيشوا في مَكانٍ آَخَرَ   قالَ الكَتْكُوتُ :  أَنا واثِقٌ تَمامَ الثِقَةِ أَنَّهُمْ ما زالوا في مَكانِهِمْ ، صَدِّقيني ، صاحَ أوْلادُها وقالوا : نَعَمْ يا أَمِّي , اسْمَعي كَلامَ الكَتْكوتِ , عَشْرَةُ كَتاكيتٍ خَيْرٌ منْ   واحِدٍ  , قالَتْ الحدَأَةُ : هيَّا يا كَتْكوتي الصَغيرُ .   

       و انْطَلَقَتْ الحِدَأَةُ ومَعَها الكَتْكُوتُ .

ووصَلَتْ  الحَدأَةُ والكَتْكوتُ إلَى حَظيرَةٍ صَغيرَةٍ ،  وَهَبطَتْ الحَدَأَةُ , فَقَالَ لَها الكَتْكوتُ : انْتَظِري سَوْفَ أَقومُ بالنِدَاءِ عَلَيْهِمْ وإِخْراجِهِمْ منْ  داخِلِ الحَظيرَةِ ، حتَّي تَقومينَ باصْطِيادِهِمْ  واحِدًا تِلْوَ الآَخَرِ ، ولَكِنْ يَجِبْ أنْ تَتْرُكيني حتَّي أَقْتَرِبَ منْ الحَظِيرَةِ ويَسْمَعوا صَوْتَ نِدائي ويَجِبْ أنْ تَبْتَعِدي قَليلَاً حتَّي لا يَرَوْنَكِ .

 وبِمُجَرَّدَ  أنْ تَرَكَتْهُ الحَدأَةُ دَخَلَ مُسْرِعاً إلَى  الحَظيرةِ ، وحينَما حاوَلَتْ الحِدَأَةُ أنْ  تَدْخُلَ خَلْفَهُ وَجَدَتْ كَلْباً  شَرِسًا ، هَجَمَ عَلَيْها وجَرَحَها ، ولَكِنَّها سُرْعانَ ما طارَتْ   وهِيَ جَريحَةُ بِسَبَبِ أَظَافِرِ الكَلِبِ التي  جَرَحَتْها  .

 رحَّبَ الكَلْبُ بِصَديقِهِ الكَتْكُوتِ ،  وسَمِعَ مِنْهُ قِصَّتهُ  , ثُمَّ أَعادَهُ إلَى أُمِّهِ  التي   كانَتْ قدْ باتَتْ حَزينَةً هِيَ وأَخَواتُهُ بِسَبَبِ  فُقْدَانِهِمْ  لأَخيهِمْ الغالي .

Description: D:\صور\صوري الخاصة\صفا لطفي\الكتكوت والحداة\59551463_2301099136623162_1953456507538374656_N.jpg

فَرِحَتْ الأُمُّ بالكَتْكُوتِ , وبِعَوْدَتِه سالمِاً ، وقالَ الكَتْكوتُ : لَقَدْ تَعَلَّمْتُ يا أُمِّي منْ هذَا المَوْقِفِ ,  أنْ  لا أُخالِفَ  كَلامَكِ  أَبَداً  ، وأنْ لا أَسْتَجيبَ لِكَلامِ الحِدَأَةِ ، ولا  لِغَيْرِها منْ أَعْدائي مَهْما  زَخْرَفوا في كَلامِهِمْ   .

 وبَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ  , جاءَتْ الحَدأَةُ وَوَقَفَتْ في نَفْسِ المَكانِ ، وقالَتْ نَفْسَ الكَلامَ  للكَتْكوتِ ، ولَكِنَّ الكَتْكُوتَ قالَ لَها :  اخْدَعي غَيْري أَيَّتها الحَدَأَةُ ،  لَقَدْ عَرِفَكِ  كُلُّ  إِخْوَتي , ولَنْ يُصَدِّقَكِ أَحَدٌ منَّا .

 تَحَسَّرَتْ الحَدأَةُ علَى خِدَاعِ الكَتْكُوتِ لَها ،  ثمَّ عادَتْ تَجُرُّ ذَيْلَ الحَسْرَةِ والنَدَامَةِ .

كانَ الكَلْبُ الذي أًنْقَذَ الكَتْكوتَ يَعيشُ وَحيداً  فَجَاء لِيَعيشَ مَعَهُمْ لِيَحْميهِمْ  ويَسْعَدَ  بالقُرْبِ مِنْهُمْ   .

496 مشاهدة