المال لا يشتري كل شيء

المال لا يشتري كل شيء

عندما تركن القيم والأخلاقيات جانبا ولا يهتم الناس سوى بالملموس فحتما ستطغى الماديات ويقيم كل شيء بالمال، ولكن الحقيقة أن ذلك التثمين سيُفقد الكثير من الأشياء قيمتها الحقيقية.

فمهما سعى البعض للمغالطة، فإن المال لا يستطيع شراء كل شيء وأولها الإنسان، وإن صارت موضة العصر بيع الذمم وشراء الناس بأبخس مقابل لكن هناك فئة منهم لا تشترى ولا تباع.
البعض لا يرى ضيرا في أن يعيش حقيرا ذليلا من أجل حفنة نقود أو منصب مرموق، قد يعتلي كرسي الرئاسة ويبقى عبدا خاضعا لحب الرياسة والجاه، يجمع أموالا طائلة على حساب تضييع الأمانة وخيانة المواثيق ويرى في ذلك نباهة وتفوقا بل إنجازا عظيما، ولكن اليقين أنه أبدا لن يشعر بالسعادة ولن يجد السلام، لأن مخاوف فقد المنصب تخنقه ومظالم المستضعفين تلاحقه، وقد يصير مهزلة ومحل سخرية للصغير قبل الكبير، ولو هلل له المطبلون وهتف بحياته المنتفعون وعلق المتزلفون صورا لتخليده فإن التاريخ لا يرحم ولا يخشى من ضم كل وضيع إلى زمرته.
قد تستطيع الأموال عرضك على أحسن طبيب وتمنحك فرصة السفر إلى أرقى المستشفيات العالمية والفحص بأجهزة فائقة التطور، ولكن الله وحده من يمنحك العافية.
من المسلم به أن توفر الماديات الكثير من أسباب الراحة الجسدية والمتعة لكنها لا تحقق أبدا الطمأنينة والسعادة الحقيقية التي تناشدها الروح قبل الجسد.
ومع كل الأسف بات البشر اليوم لا تهتمون إلا بالمال وقد حصلوه، بيد أنهم فقدوا الرضا والقناعة وافتقدوا المحبة الصادقة، والضمير الحي والعقل الراجح وتراجعت الكثير من القيم الإنسانية النبيلة والنوازع البشرية السامية.

باتت المظهرية لسان حال الإنسان والتصنع ديدنه، قد ترى مسؤولا كبيرا بطقم جديد وحذاء لامع، يوزع الوعود بالمجان ويتباهى أمام الكاميرات والكل يصفق له رغم أنهم جميعهم يعلمون أنه لص مرتش عربيد وفاسد، ولكنهم يتظاهرون أنه المنزه عن الخطأ والمختار الأول من أجل مصلحة خاصة وفقط.
فلا تصدق كاذبا لأنه يحمل كيس مال معه، ولا تخالف صادقا لأنه أقصي جورا في زمن الرداءة والمحسوبية، ولا تغالط أحدا من أجل مصلحة ولا تتملق لرئيس أو تغبِط وزيرا أو تهضم حق مخلوق لأنك ولا بد أن تدفع مقابل ذلك، ليس بالضرورة أن تدفع مالا ولو كان كذلك لهان، لأنك قد تدفع ما لن تطيق فقده، ففي الدنيا مسلك واحد عكس ما يشاع بوجود عدة مسالك فهي لا تعدو أن تكون مهالك.
فما تتلفظ بكلمة أو تكتب حرفا أو تقدم على فعل إلى وسيضاف لرصيدك ولك أن تدرك أنك ستصرفه يوما ولن يضيع فلسا منه.
المال مهم وهو حقيقة موجودة فعلا، ولكن الحقيقة الأخرى والأكثر أهمية أن دعوة المظلوم مستجابة ومُضيّع الأمانة سيحاسب، وغمط الحق إثم.
والاهتمام بالدفع الفوري والعطاء الجزيل هو رزق قد قدر ولن يسلبه أحدا منك، ولك حق اختياره من الحلال أو الحرام لأنك ولا بد أن تدفع المقابل، وإياك أن تصدق مقولة: “أن المال هو القوة” ولو أنها جملة عالمية ذاعت وشاعت.

545 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *