المغامر الصغير

المغامر الصغير

القصة السادسة من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، رسوم آلاء مرتيني، تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).

اسْمي كامِلُ ، سَأَحْكي لَكُمْ  اليوم قِصَّتِي .

بَدَأَتْ قِصَّتي عِنْدَما  كُنْتُ  تِلْميذاً  في الصَّفِ الرابِعِ الاِبْتِدَائيِّ ،  فَقَدْ  كانَ  والِدي  يِصْحَبُني  مَعَهُ دائِماً في زِيارَةِ  أقاربِنِا ،   وكانَتْ السَيَّارَةُ أّْثناءَ السَيْرِ تَمُرُّ عَلَي مِساحاتٍ شاسِعَةٍ منْ بَعْضِ الأَراضي الصَحْراوِيَّةِ وكُنْتُ أَتَأَذَّى ًكثيراً ، وأَشْعُرُ بالضيقِ الشَديدِ عِنْدَما  أَري أَرْضاً خالِيَةً  مِنْ  الزَرْعِ  والسُكَّانِ ،  بَيْنَما نَحْنُ نَعيشُ  في مَنْطِقَةٍ  مُكْتَظَّةٍ  بالسُكَّانِ ،  وقُلْتُ  لِوّالِدي  ذاتَ  مَرَّةٍ: لِماذا  لا تَقومُ الدَوْلَةُ  باسْتِصلاحِ  هَذهِ الأَراضي وتَعْميرِها بَدَلاً منْ أنْ يَتَكَدَّسَ السُكَّانُ  في مَناطِقَ  ضَيِّقَةٍ ؟  .

 كانَ يَقولُ والدي لي : يا بُنَّيَ لا تَشْغَلْ بالَكَ  بِهَذِه الأُمورِ , دَعْ  الخَلْقَ لِلْخالِقِ  .

 وحينَما كُنْتُ أَذْكُرُ هَذَا المَوْضوعَ  كانَ يَشْغَلُني بِأُمورٍ أُخْرَي غَيْرَ هَذا الأَمْرَ , وحينَما كُنْتُ اسْأَلُهُ كانَ يَقولُ لي : يا بُنَّي إنَّ التَفْكيرَ في هَذا الأَمْرَ يَحْتاجُ  إلَي سنٍ أَكْبَرُ مِنْ سِنِّكَ فَلا تُرْهِقَ نَفْسَكَ في التَفْكيرِ فيهِ .

وعِنْدَما عُدْنا لِبَلْدَتِنا ، وَجَدْنا الشُرْطَةَ  تَقومُ  بِهَدْمِ  مَبْنَىً لِأَحَدِ سُكَّانِ  القَرْيَةِ ، وحينَما سَأَلْتُ والدي عنْ سَبِبِ ذَلِكَ فَقالَ : لِأَنَّهُ تمَّ  بِناؤهُ  علَي أَرْضٍ زِراعِيَّةِ .

المغامر الصغير 1
المغامر الصغير 4

  شَعَرْتُ بالضيقِ أَكْثَرَ ، وقُلْتُ لِوَالدي : وما الذي  يَجْعَلُ مالِكُ البَيْتِ يَفْعَلُ ذَلكَ  ؟ .

  قالَ والدي : لأَنَّهُ يُريدُ أنْ يَبْني مَسْكَناً ,   قُلْتُ:  ولمِاذا يَضَعُ نَفْسَهُ  في هَذا المَأْزَقِ ؟   إنَّ الصَحَراءَ واسِعَةٌ وكَبيرَةٌ ، لِماذا لا نَقومُ باسْتِصْلاحِها  ؟

 قالَ والدي : لا تَشْغَلْ بالَكَ يا بُنَّي بِهَذا الأَمْرِ أَكْثَرَ منْ اللازِمِ . فَعِنْدَما تَكْبُرُ سَتَفْهَمُ كُلَّ شَيْءٍ وَحْدَكَ ,  إنَّنا  لا نَمْلِكُ منْ هَذا  الأَمْرِ  شَيْئاً،، .

لمْ أكُنْ أَجِدْ أَمامي إلاَّ الصَمْتَ حتَّي لا أُضايِقَ أَبي  . 

وذاتَ يَوْمٍ  كُنْتُ أُشاهِدُ  التِليفزْيونَ  أَنا وَوالدي  , وَجَدْتُ  أنَّ هُناكَ  مُسْتَثْمِرينَ قدْ قاموا  بِتَجْهيزِ مِساحاتٍ منْ  أَراضٍ صَحْراوِيَّة للْزِراعَةِ في مَنْطِقَةِ سَهْلِ الطينةِ ، و عَرَضوها للْبَيْعِ ،  وعَرَضوها  بِسِعْرٍ بَسيطٍ ، لمْ يَشْغَلِ الأَمْرُ والدي . بَيْنما ظَلَلْتُ أُفَكِّرُ في هَذا الأَمْرِ كَثيراً.

تَحَفَّزْتُ كَثيراً لِهذا الأَمْرِ ولَكِنَّ أَبي لَمْ يَكُنْ يَهْتَّمُ  بِمِثْلِ هَذِه الأُمورِ .

 كانَ أَبي يَعْمَلُ مُوَظَّفاً  حكوميًّا ، وكانَ قدْ وَرِثَ مَبْلَغاً  كَبيراً منْ  المالِ منْ جدي رَحْمَةٌ اللهِ عَلَيْهِ ،  وقدْ ادَّخرَ المالَ كُلَّهُ في  احْدَي البُنوكِ , ولَمْ  يَشْغَلْ بالَهُ بَعَمَلِ أَيّ مَشْروعٍ .

 كَلَّمْتُ أَبي في هَذا الأَمْرِ , وهُوَ شِراءُ مِساحَةٍ زِراعِيَّةٍ منْ الأَراضي المَعْروضَةِ  للْبَيْعِ .

 ولَكِنَّ أَبي قالَ لي : يا بُنَّي أَنا لَسْتُ فَلاَّحاً ولا عِلْمَ لي بِاْلزِراعَةِ ، وَلَيْسَ هَذا منْ شَأْني

لمْ  أَكُفَّ عنْ الكَلامِ في هَذا المَوْضوعِ مَعَ أَبي حتَّى وافَقَ عَلَيْهِ .

 وقَرَّرْنا أَنْ لا نَسْحَبَ كُلَّ المالِ المَوْجودِ في البَنْكِ لِشِراءِ الأَرْضِ لأَّنَ هَذا المَشْروعَ كانَ مُجَرَّدَ مُجازَفَةٍ مِنَّا .

 وقامَ أَبي بِشِراءِ عَشْرَةِ فَدادينَ في مَنْطِقَةِ سَهْلِ الطينَةِ . وتَرَكَها بِلا رِعايَةٍ .

 وانْتَهى العامُ  الدِراسِيِّ وجاءَتْ  أيَّامُ الإجازَةِ , ولَمْ  أَجدْ ما أَشْغَلُ بهِ نَفْسي ، فَقُلْتُ لِأبي:  لِماذا لا نَقومُ  باسْتِصْلاحِ  هَذِهِ الأَرْضَ ؟ .  قال أَبي :  إِنَّني يا بُنَيَّ لا أَفْهَمُ  في الزِراعَةِ شَيْئاً ، ولَكِنْ سَأَبْحَثُ عنْ منْ يَقومُ بِتَأْجيرِها مِنَّا  فَيَكونُ أَفْضَلُ لَنا ، وَبحَثَ أَبي عَنْ منْ يَقومُ بِتَأْجيرِها فَلَمْ يَجِدْ أَحَداً .

 قُلْتُ لأَبي : ماذا سَنَخْسَرُ يا أَبي لَوْ لمْ نَنْجَحْ في تَجْرِبَتِنا ؟  سَنَعودُ إلَي بَلْدَتِنا وتَبْقَي الأَرْضُ كَما هِي . ما سَنَخْسَرُهُ قَليلٌ منْ المالِ فَقَطْ وبَعْضَ جُهْدنا , وكَسَبْنا شَرَفَ المُحاوَلَةِ .

لمْ يَجِدْ أَبي بُدَّاً منْ أنْ يَقومَ بِتَنْفيذِ طَلَبي وهُو أنْ نَقُومَ بِزِراعَةِ الأَرْضِ واسْتِصْلاحِها بأَنْفِسِنا .

وحَصَلَ أَبي علَي إجازَةٍ منْ العَمَلِ الحُكومِيِّ لِمُدَّةِ ثَلاثَةِ شُهورٍ هِيَ شُهورُ الإجازَةِ الدِراسِيَّةِ ،   عَلِمَ صَديقي وجاري سامي أَنَّنا نَعْزِمُ عَلي الاتِّجاهِ إلَي مِنْطِقَةِ سَهْلِ الطينَةِ لاسْتِصْلاحِ أَرْضِنا .

ظلَّ يُقْنِعُ أَباهُ بأَنْ يأَتْي مَعَنا  لِنَعيشَ  في جَوِّ  الصَحَراءِ الجَميلِ ويُشارِكَنا العَمَلَ والتَجْرُبَةَ  ،  اقْتَنَعَ أَبوهُ بالفِكْرَةِ خاصَّةً وأنَّ سامي يُعاني منْ الحَساسِيَّة وقَدْ نَصَحَهُ الأَطِبَّاءُ بِالإِقامَةِ في جَوٍّ صَحْراوِيِّ علَي الأَقَلِّ لِمُدَّةِ ثَلاثَةِ شُهورٍ .

 عرَضَ  والِدُ سامي عَلي والِدي الفِكْرَةَ , فَرَحَّبَ بِها.

 كانَتْ عِنْدَهُم سَيَّارَةٌ كَبيرَةٌ  , وكانَ عِنْدَنا أَيْضاً سيَّارَةٌ مِثْلُها  .

قُمْنا بِتَحْميلِ السَيَّارَتَيْنِ بِكُلِّ ما يَلْزَمُنا منْ  طَعامٍ وخِيَمٍ وأَدَواتٍ زِراعِيَّةٍ وأَدْوِيَةٍ تَكْفِي لِلْحَيَاةِ هُنَاكَ لِمُدَّةٍ طَويلَةٍ ,  وودَّعْنا الأَهْلَ , ثُمَّ اتَّجَهْنا إلَى الأَرْضِ .

   كانَ  يَوْماً  شاقّاً ، ولَكِنَّه  كانَ  مُمْتِعاً , وبَعْدَ أنْ وَصَلْنا  قُمْنا  بِوِضْعِ الخِيَمِ . وتَجْهيزِ  المَكانِ الذي سَنَسْتَقِرُ فيهِ   .

كانَتْ المِنْطِقَةُ كُلُّها خَالِيَةً منْ السُكَّانِ ،  باسْتِثْناءِ  العُمَّالِ الذينَ  يَأْتُونَ للْعَمَلِ في الأَرْضِ الزِرَاعِيَّة ، وإنْ كانَتْ العِمَالَةُ نادِرَةً هنُاكَ .

  ولِحُسْنِ حَظِّنا وَجَدْنا  صُنْبوراً  كَبيراً للْمِياهِ علَى مَقْرُبَةٍ  مِنَّا ،  فَحَمِدْنا اللهَ علَي ذَلكَ .

    وَجَدْنا أَيْضاً  بِئْراً مائيّةً  كَبيرةً عَلى مَقْرُبَةٍ منْ  أَرْضِنا  ، حَمَدْنا اللَهَ علي هَذا ، لأنَّ ذَلِكَ سَيُوَفِّرُ عَلَيْنا كَثيراً منْ الجُهْدِ  والمالِ والوَقْتِ  .

كانَ  أوَّلُ  عَمَلٍ قُمْنا بِهِ هوَ تَجْهيزُ مَكَانٍ لِلْمَعيشَةِ  .

كانَ الأَمْرُ الثاني والأَهَمُّ هُوَ تَسْوِيَةُ الأَرْضِ ,  وهُوَ ما احْتاجَ إلَي ماكينَةٍ زِراعِيَّةٍ تَقومُ بِهذَا الدَوْرِ

  لَمْ يَتَأَخَّرْ أَبي فَقَدْ اتَّصَلَ بِأَحَدِ الأَصْدِقاءِ في البَلْدَةِ , وأَرْسَلَ إِلَيْنا الماكينَةَ الخَاصَّةَ بِالتَسْوِيَةِ .

وبَعْدَ ذَلكَ كانَ الأَمْرُ الثاني هُوَ كَيْفِيَّةِ تَوْصيلِ مِياهِ البِئْرِ إلَي الأَرْضِ , وهُوَ ما احْتاجَ إلَي عُمَّالٍ وبَعْضَ الأَدَوَاتِ ، وطَبْعاً ذَهَبَ والدي إلي البَلْدَةِ وجاءَ بالعُمَّالِ والأَدَواتِ  المَطْلوبَةِ .

 وتَعِبْنا كَثيراً حتَّى تمَّ  تَوْصيلُ مياهِ البِئْرِ بأَرْضنا , وتَجْهيزِ شَبَكَةِ  الرَيِّ  المُناسِبَةِ .

  والخُطْوَةُ التالِيَةُ كانَتْ  شِراءَ ماكينَةِ رَيٍّ مُناسِبَةٍ .

  واتَّصَلَ أَبي بِأَحَدِ أَصْدقائِهِ  في البَلْدَةِ ، فَقامَ  عَلى الفَوْرِ  بإرسالِ ماكينَةِ الرَيِّ  فقُمْنا بِتَرْكيبِها   والخُطْوَةُ التالِيَةُ  كانَتْ حَرْثَ الأَرْضِ وتَجْهيزِها لِلْزِراعَةِ ,  وهُوَ ما يَحْتَاجُ منَّا إلَى ماكينَةِ حَرْثٍ .  .  كانَ في المَنْطِقَةِ  فلَاَّحونَ قدْ بَدَءوا يَسْتَصْلِحونَ الأَراضي , فَوَجَدْنا معَ بَعْضِهِمْ ماكينَةً  لِتَجْهيزِ الأَرْضِ , فَقُمْنا باسْتِئْجارِها لِتَجْهيزِ أَرْضِنا  .

  والخُطْوةُ التالِيَةُ كانَتْ شِراءَ البُذورِ وَبَعْضَ التَجْهيزاتِ الزِرَاعِيَّةِ التي تَحْتَاجُ  إلَى العِمالَةِ،  وَوَجَدْنا أنَّ هُناكَ عُمَّالاً في المَناطِقِ المُحيطَةِ بِنا , فاسْتَعَنَّا بِهِمْ , ودَلُّونَا علَي المَكانِ الذي تُباعُ فيهِ البُذورُ الجَيِّدَةُ لِلْزِراعَةِ .

  ولَمْ  يَمُرَّ  وَقْتٌ طَويلٌ حتَّى قُمْنا بِزِراعَةِ الأَرْضِ ، وأَصْبحَ  شَكْلُ الأَرْضِ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ زِراعَتِها    يَسُّرُ  الناظِرينَ. 

وقَدْ أَوْشَكَتْ إجازَةُ نِهايَةِ العامِ الدِراسِيِّ أنْ تَنْتَهي , وسَوْفَ نعَودُ جَميعاً إلَى مَنازِلِنا .

  فَكَّرْنا جَميعاً  في مَنْ سَيَتَوَلَّي إِدَارَةَ الأَرْضِ ؟ فاقْتَرَحَ والِدُ سامي بِأَنْ نَقُومَ بإحْضارِ أَحَدِ  العُمَّالِ منْ قَرْيَتِنا معَ  أُسْرَتِهِ لِيَعيشَ في هَذا المَكانِ ليِتَوَلَّي أَمْرَ الأَرْضِ ورِعايَتِها ،  مُقابِلَ  مُرَتَّبٍ نَدْفَعُهُ لهُ كُلَّ  شَهْرٍ .

 وقَدْ اسْتَطَعْنا أنْ نَقومَ  بِتَجْهيزِ حُجْرَتَيْنِ مُناسِبَتَيْنِ للعَامِلِ الذي سَيَاْتي  .

 كانَ الوَقْتُ يَمُرُّ سَريعاً دونَ أنْ نَشْعُرَ , و كانَتْ إِجازَةُ  العامِ  الدِراسِيِّ قدْ  انْتَهَتْ , واضْطُرِرْنا  للْعَوْدَةِ إلَى مَنازِلِنا لِنُكْمِلَ دِراسَتَنا أَنا وَصديقي سامِي ، ولِكَيْ يَعودَ أَبي إلَى عَمَلِهِ , فَسَوْفَ تَنْتَهي إِجازَتَهُ مَعَ بِدايَةِ العامِ الدِراسِيِّ الجَديدِ .

بَدَأَتْ النَباتاتُ تَظْهَرُ علَي سَطْحِ الأَرْضِ بِمَنْظَرِها الجَميلِ ، وزادَ منْ جَمَالِهِ أنَّهُ جاءَ  بَعْدَ كَدٍّ وتَعَبٍ وعَناءٍ ومُغامَرَةٍ .

 وعُدْنا إلَي بَلْدَتِنا , واسْتَطاعَ أَبي أنْ يَتَّفِقَ معَ عامِلٍ علَي رِعايَةِ الأَرْضِ مُقابِلَ أَجْرٍ شَهْرِيٍّ .

وذَهَبَ أَبي معَهُ , حتَّي يَدُلَّهُ عَلي المَكانِ وأَيْضًا لِكَيْ يَطْمَئِنَّ علَي  حالِ الأَرْضِ . 

أمَّا بِخُصوصِ  صَديقيِ سامي فَقَدْ تَحَسَّنَتْ حالَتُهُ الصِحِّيَةِ بَعْدَ قَضاءِ شُهورِ الصَيْفِ في مَنْطِقَةٍ صَحْرَاوِيَّةٍ  مَعَ الحَرَكَةِ والنَشاطِ.

  كانَ أَبي يَذْهَبُ كُلَّ شَهْرٍ لِيَطْمَئِنَّ  علَى الأَرْضِ  والعامِلَ , ويُحْضِرَ لَهُ ما يَلْزَمُهُ منْ  البَلْدَةِ  .  ومرت  خَمْسَةُ شُهورٍ علَي عَوْدَتِنا , وحَصَدْنا المَحْصولَ ، وكان الإنتاج مُتَوِسِّطاً , ولَمْ يَكُنْ كَبيراً ولكِنْ يُعْتَبَرُ هَذَا إِنْجازٌ  كَبيرٌ ,خاصَّةً أنَّ الأَرْضَ كانَتْ حَديثَةَ الاسْتِصْلاحِ .

عَوَّضْنا النَفَقاتِ التي أَنْفَقْناها بِالإِضَافَةِ إلَى رِبْحٍ بَسيطٍ ، كانت فرحة  أبي لا تقدر .

 اقْتَنَعَ أَبي بِهذَا المَشْروعِ المُثْمِرِ ،  وقالَ : إنَّ نَفَقاتِ تَجْهيزِ الأَرْضِ تَكونُ أَوَّلَ مَرَّةٍ  , والحَمْدُ للهِ قَدْ عَوَّضَها أَوَّلُ مَحْصُولٍ  , وفي المَرَّاتِ التالِيَةِ  بإذْنِ  اللهِ سَيَكونُ ناتِجُ المَحْصولِ خالِصًا لَنا قامَ  أَبي بِزِراعَةِ المَحْصُولِ التالي بالتَعَاُوِن مَعَ العامِلِ , ثُمَّ تَرَكَهُ يُتَابِعُ المَحْصولَ . .   

وانْتَهَي العامُ  الدِرَاسِيِّ ،  ونَجَحْتُ بِتَفَّوُقٍ .

  طَلَبْتُ  منْ أَبي الذِهابَ إلَي أَرْضِنا المْسْتَصْلَحَةِ مرَّةً ثانِيَةُ.  قال لي أَبي أَلَمْ نَكْتَفِ بِما قُمْنا بِهِ العامَ السابِقَ  ؟ قُلْتُ وماذا سَنَخْسَرُ  ؟  إِنَّنا نَسْتَفيدُ منْ طاقاتِنا .

 وأَخيراً أَقْنَعْتُ أَبي واسْتَعْدَّ للْذِهابِ إلَي الأَرْضِ .

وعَلِمَ صَديقي سامِي بِما نَعْزِمُ عَلَيْه فَقَرَّرَ هُوَ وَوَالِدُهُ  أَنْ يَذْهَبوا مَعَنا ولَكِنْ هَذِهِ المَرَّةِ , جَهَّزَ والِدُ سامي مَبْلَغاً كَبيرًا لِيَشْتَري قِطَعَةَ أَرْضٍ بِجِوار أَرْضِنا , مثل ما اشترينا المرة السابقة , وسَوْفَ يُقيمُ مَعَنا في المْنْطِقَةِ التي جَهَّزْناها حتَّي نَكونَ يَدَاً واحِدَةً .

وقَبْلَ أنْ نَتَّجِهَ إلَي الأَرْضِ ,عَلِمْنا بِأَنَّ هُناكَ فَلَّاحٌ يُريدُ أَنْ يَبيعَ عَشْرَةَ فَدادينَ بِجِوارِ أَرْضِنا  .

كانَتْ فَرْحَتي غامِرَةٌ , وكَلَّمْتُ والدي في الأَمْرِ,  ولَمْ يَرْفُضْ بَلْ رَحّبَ بِالأَمْرِ وقُمْنا بِشِرائِها .

اتَّجَهْنا جَميعاً إلَي أَرْضِنا الجَديدَةِ , ومَعَنا عامِلُ جَديدُ  مَعَهُ أُسْرَتَهُ حتَّي يُقيمَ  في المَزْرَعَةِ مَعَ العامِلِ الأَوَّلِ ولِيُساعِدَ والِدَ سامي أَيْضاً في زِرَاعَةِ أَرْضِهِ . 

وأَوَّلُ شَيْءٍ قُمْنا بِهِ  بَعْدَ وُصولِنا هُناكَ , أنْ قُمْنا بِبِناءِ حُجْرَتَيْنِ صَغيرَتَيْنِ لَنا وللْعامِلِ الجَديدِ مَعَ أُسْرَتِهِ ولْنِحْتَفِظْ بِمُعِدَّاتِنا وأَدَوَاتِنا بِها . .

   وقُمْنا بِزِراعَةِ عِدَّةِ  أَشْجارٍ مُثْمِرَةٍ حَوْلَ  المَكانِ الذي نَسْكُنُ فيهِ  . وأَحَطْنا الأَرْضَ كُلَّها بِأَشْجارٍ مُثْمِرَةٍ وأُخْرَي غَيْرَ مُثْمِرَةٍ كَأَشْجارِ الكافورِ لِتَحْمي الأَرْضَ منْ الرِمالِ التي تَقْذِفُها الرِياحُ . في نَفْسِ الوَقْتِ كُنَّا  نَقومُ  بِزِراعَةِ الأَرْضِ  وَرِعايَتِها  .

 وحَصَلْنا علَي مَحْصولِ طَيِّبٍ مِنْ أَرْضِنا القَديمَةِ ،  وكانَ هُناكَ  رِبْحٌ مَعْقولٌ بَعْدَ أنْ خَصَمْنا  ما  أَنْفَقْناهُ مِنْ مَبَانٍ  وَ أُجُورِ العُمَّالِ .

 فَرِحَ  والِدي كَثيرًا بِذلِكَ ،  وقالَ : إنَّ اسْتِثْمارَ المالِ في زِرَاعَةِ الأَرْضِ مَشْروعٌ مُرْبِحٌ ، والأَرْضُ  كُلَّما  أَنْتَجَتْ زادَ سِعْرُها ، أمَّا أَرْضُنا الجَديدَةُ فَقَدْ أَعْدَدْناها للْزِراعَةِ  ثُمَّ زَرَعْناها  .

وانْتَهَتْ الِإجازَةُ وعُدْنا إلَى مَنازِلِنا ، وتَرَكْنا العُمَّالَ ، يَقومونَ بِرِعايَةِ الأَرْضِ .

 كانَ  والدي يَزورُهُمْ  كُلَّ شَهْرٍ للْاطْمِئْنانِ عَلَيْهِمْ . 

وانْتَهَى العامُ الدِرَاسِيِّ ،  ونَجَحْتُ بِتَفَوُّقٍ , وقَدْ أَنْهَيْتُ الصَفَّ السادِسَ الابْتِدَائيَّ

أمَّا الأَرْضُ  فَقَدْ  أَعَطْتَ إِنْتاجاً طَيِّباً ، عادَ  بِالرِبْحِ عَلَيْنا .

.

  وعَلَى الفَوْرِ اتَّجَهْنا مَعاً  إلَى الأَرْضِ وعَلِمْنا أنَّ هُناكَ جاراً آَخَرَ يُريدُ بَيْعَ قِطْعَةَ الأَرْضِ  الخاصَّةَ بِهِ ،  مِسَاحَتُها  عِشْرينَ فَدَّاناً ،  فاشْترَاهَا أَبي فَقَدْ رَبِحْنا مِنْ  المَحَاصيلِ التي زَرَعْناها   أَوَّلُ أَمْرٍ قُمْنا بِهِ هُوَ أنْ قُمْنا بِبِناءِ مَنْزِلٍ كَبيرٍ  بِجِوارِ الحُجَرِ التي كانَتْ هُناكَ لِنُقيمَ فيهِ إِقامَةً طَيِّبَةً ولْيَاْتي مَنْ يُريدُ أَنْ يُقيمَ مَعَنا في مَكانٍ طَيِّبٍ يَليقُ بِهِ .

وأَتَيْنا بِعامِلٍ ثالِثٍ مَعَ أُسْرَتِهِ لِيُقيمَ في احْدَي الحُجَرِ التي بَنَيْناها .

أَنْشَأْنا مَزْرَعَةً صَغيرَةً للْدَواجِنِ , وأُخْرَي للْماشِيَةِ وأُخْرَي للْغَنَمِ , يَقومُ عَلَي رِعايَتِها العُمَّالُ ويَسْتَفيدونَ مِنْها , ولَنا نِسْبَةٌ منْ الأَرْباحِ حتَّي يَسْتَقِّرُوا أَكْثَرَ ويُعَمِّروا المَكانَ .

قُمْنا باسْتِصْلاحِ المَنْطِقَةِ الجَديدةِ ,وبِرِعايَةِ الأَرْضِ كُلِّها وَزِرَاعَتِها حتَّى انْتَهَتْ الإجازَةُ ،  وعُدْنا إَلى مَنازِلِنا ، و قد رَبِحَتْ  الأَرْضُ رِبْحاً كَبيرًا .

المغامر الصغير 2
المغامر الصغير 5

أَكْمَلْتُ عامي الدِراسِيِّ بِنَجاحٍ كَعادَتي ،  وَعُدْنا  ثانِيَةً إلَي الأَرْضِ  ولَكِنْ هَذِهِ  المَرَّةَ اشْتَرى  أَبي خَمْسينَ  فَدَانًا  لَمْ  تَكُنْ  مُجَهَّزَةً للزِرَاعَةِ , وكانَ سِعْرُها قَليلاً جدًّا .

   ثمَّ  اشْتَرَى  أَبي ماكينَةَ حَرْثٍ   وماكينَةَ  ريٍّ  كَبيرَةٍ  أُخْرى لِإكْمالِ  زِرَاعَةِ الخَمْسينَ  فَدَّاناً   وأَحْضَرَ أَبي عامِلاً آَخَرَ معَ العُمَّالِ الآَخَرينَ , ليِشُارِكَهُمْ في تَرْبِيَةِ الحَيَواناتِ ورِعَايَةِ الأَرْضِ ويَزْدادَ المَكانُ عُمْراناً .  وتَسْتَفيدَ الأَرْضُ منْ فَضَلاتِ الحَيَواناتِ ونَتَّخِذَ مِنْها سِمَاداً  لِلْأرْضِ .

 قُمْنا بِتَوْصيلِ  ماسورَةِ مِياهِ شُرْبٍ  إلَى مَنْطِقَتِنا  ، وقُمْنا  بِتَوْصيلِ خَطِّ  كَهْرباءٍ  إلَى مَنْطِقَتِنا  حتَّى وَصَلَتْ الإِنارَةُ  والكَهْرَباءُ  إِلَيْها .

  أَصْبَحْنا نُشَاهِدُ  التِليفِزيونَ  أَثْناءَ فَتْرَةِ الراحَةِ  ونَسْتَمِعُ إلَي الِإذاعَةِ.  وقَدْ أَصْبَحَتْ المَنْطِقَةُ أَكْثَرَ عُمْرانًا مِنْ ذي قَبْلُ .

وانْتَهَتْ الإِجازَةُ الصَيفِيَّةُ , وعُدْتُ  إلَى مَنْـِزلي  لأَبْدَأَ  العَامَ  الدِراسِيِّ  الجَديدِ .

   انْتَهَيْتُ منْ العامِ الدِرَاسِيّ  بِنَجاحٍ .

 ثُمَّ  اتَّجَهْتُ هَذهِ المَرَّة و الأُسْرَةُ  كُلُّها  إَلي مَزْرِعَتِنا وقَدْ  قَرَّرْنا أَنْ نُقيمَ في هَذَا  المَكانِ . 

وسَعِدْنا  أَنْ أَصْبَحَ  هُنَاكَ علَى  مَقْرُبةٍ منَّا  في المَزْرَعَةِ  التي بِجِوارِنا مَسْكَنٌ صَغيرٌ ممَّا شَجَّعَنا علَى الاسْتِمْرارِ في العَمَلِ  وحُبِّ هَذا المَكَانَ.

 و كُنَّا  كُلَّ  عامٍ نَقومُ بِشِراءِ  قِطْعَةِ أَرْضٍ جَديدَةً حتَّى أَصْبَحَ لَدَيْنا أَرْبَعُمائَةَ فَدانٍ ،  وكُنْتُ  عِنْدَها  في الصَفِّ  الثالِثِ  الثانَوِيِّ  ، وأَصْبَحَ  يوجَدُ  بِالمَنْطِقَةِ  أَكْثَرُ منْ عَشْرِ مَبَانٍ  يُقيمُ  بِها  عَدَدٌ منْ السُكَّانِ .

ونَجَحْتُ  في الثانَوِيَّةِ العَامَّةِ والْتَحَقْتُ بِكُلِّيَةِ  الهَنْدَسَةِ , بِالقِسْمِ  المَدَنِيِّ  وهُو الخاصُّ  بالعُمْرانِ  والتَشْييدِ .

  لمْ أَنْسي أَرْضَنَا , فَكُنْتُ أُشْرِفُ علَى الأَرْضِ معَ أَبي في أَوْقاتِ فَراغِي .

 أمَّا المَنْطِقَةُ فَكانَتْ تَزْدادُ كَثافَةُ السُكَّان بِها  كُلُّ  عامٍ  عنْ العامِ السَابِقِ  لَهُ .

  وبَعْدَ  أنْ أَنْهَيْتُ دِراسَتِي بِكُلِّيَةِ الهَنْدَسَةِ , تمَّ تَعْييني مُشْرِفاً هَنْدَسِيّاً  علَى  هَذِهِ  المَنْطِقَةِ ، وبَذَلْتُ مَجْهوداً  كَبيراً  لِكَيْ أَقُومَ  بإكٍمَالِ  إِعْماِر  هَذِهِ  المِنْطَقَةِ ،  وأَكْمَلْتُ تَوْصيلَ  كَافَّةِ  المَرَافِقِ الخاصَّةِ  بِها منْ كَهْرباءَ ومِياهً وصَرْفاً صِحِّياُ   .

وقُمْتُ  بِبِناءِ مَدْرَسَةٍ  كَبيرَةٍ  ومُسْتَشْفَى .

    طَلَبْتُ منْ الدَوْلَةِ أَنْ تُساهِمَ في بِناءِ مَسَاكِنَ لِتَشْجيعِ الشَبَابِ علَي العُمْرانِ والزَحْفِ إلَي هَذِهِ المِنْطَقَةِ , ولَكِنْ لمْ أَجِدْ قُبولاً بِحُجَّةِ عَدَمِ وُجودِ ميزَانِيَّةٍ فَقُمْتُ  بِبِناءِ خَمْسَةِ  مَساكِنٍ  علَى  نَفَقَتي الخَاصَّةِ ؛ 

 وأَصْبَحَتْ  المِنْطَقَةُ مَأْهولَةً  بالسُكَّانِ ، وسُمِّيَتْ هَذِهِ  المِنْطَقَةُ  بِمِنْطَقَةِ  المُغامِرِ  الصَغيرِ   نِسْبَةً إلَى المَجْهودِ  الذي بَدَأْتُ فيهِ مُنْذُ طُفولَتِي بالعَمَلِ والسَعْيِ لِإعْمَارِ هَذِهِ  المِنْطَقَةِ  , حتَّى  بَعْدَ  أَنْ  أَكْمَلْتُ تَعْليمي أَكْمَلْتُ  دَوْرِي  في  بِنَائِها ، وأَصْبَحَ  اسْمي مُقْتَرِناً بِهَذا  المَكانِ  وتاريخِي مُرْتَبِطاً  بِتاريخِهِ  .

 وتَمُرُّ الأَيَّامُ  لِأُصْبِحَ  وَزيراً  لِلْتَعْمِيرِ وأَكْتُبُ في مُذَكِّرَاتي قِصَّتِي مَعَ هَذِهِ المَدينَةِ الجَميلَةِ (مَدينَةُ المُغَامِرُ الصَغيرُ ) .

482 مشاهدة