بعد رحيلك يا أبي

بعد رحيلك يا أبي

ماذا عساي أقول بعد رحيلك يا أبي؟.. والكلمات باتت حائرة في تصنيف معانيها وإيجاد ترتيبها في الجمل المفيدة، لم تعد نبرات الصوت تليق بمقام شعور الفقد الرهيب بعد سنين الألفة والأنس.

كلما أردت أن اقتلاع جذور الشوق المتشبثة بأعماقي أجدني أسقيها ودا وحنينا لتمد سيقانها وتخرج أوراقها وتزهر في موسم ذكراك الكبيرة، وبحزن يشوبه الفخر أقطف باقة معبقة بعطرك العتيق لأقطرها وأجعل منها مدادا لقلمي عله يستطيع جمع حروفي المبعثرة منذ رحيلك يا أبي..

عبثا ما حاولت رسم معالم طريق جديد بعدك، فما أكاد أبدأ إلا وأجدني أكتب اسمك على لافتة شارعنا العتيد، وأستنير ببريق عيونك من عمود الكهرباء القابع في الزاوية منذ عقود، حتى قطرات المطر تحمل سماحة دموعك الندية لتذكرني كل مرة أنك كنت ذات يوم هنا لتمسح دمعي الذي صار ينزل خجِلا من يوم فراقك…

أخذ الزمن من الأعمار ولم أتفطن له إلى حين لحظة وداعك فتهت في دروب الحياة أسعى لإيجاد مفترق الطريق وأغير وجهتي علي لا أشعر باليتم على كبر، لقد قيل أن اليتيم من مات أبوه وهو صغير فإذا بلغ الحلم زال عنه اليتم، فلم ترى هذا الإحساس المؤلم الممزوج بالمرارة يملآ وجداني منذ رحيلك يا أبي..

لكن عزائي يظل في وصلك بالدعاء والتضرع لله والإلحاح في طلب المغفرة والرحمة لروحك الطاهرة لعل حبل البر بيننا لا ينقطع، وتطالني شآبيب الرحمة فتبتهج روحي مع تباشير الفجر الأولى ليغتدي الجسد بعزم سابغ بالثقة واليقين فأتعقب سيرتك العطرة بحسن الصنائع، وكلما انثنى عزمي وهاجت علي الوساوس أذكر نفسي وأهمس بأعماقي أنا ابنة أبيها ولا فخر.

534 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *