تقرير حول زيارة دراسية ميدانية لجمعية تاركة “بتارودانت”

بقلم: سعيد لطفي
اشراف: عبد الرحيم عنبي

 عرف الوسط القروي المغربي مجموعة من التحولات السوسيواقتصادية والبيومجالية ، تحولات أفرزت بدورها مجموعة من التحديات التي أصبحت تعصف وتهدد العالم القروي بالاندثار ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ؛التهميش الإقصاء، الفقر، الجفاف، الفيضانات،مما أدى إلى تنامي ظاهرة الهجرة القروية.
وتعد منطقة “تاركة” دائرة اغرم إقليم تارودانت نموذج عرف منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات نزوح مكثف للساكنة نحو المدن المجاورة ما ترجم إلى مشاكل من بينها؛تراجع مزاولة النشاط الفلاحي والرعوي الذي أثر سلبا على الأراضي ونظام السقي والعلاقات الاجتماعية التقليدية التي تؤطر تدبير المجال.
من هنا نتساءل ما هي المداخل الممكنة للحد ولو نسبيا مما تعرضت له منطقة “تاركة” ؟ ووفق أية مقاربة؟.
يعتبر العمل الجمعوي من بين المداخل الأساسية للتنمية المحلية، إذ أصبحت الدولة بدورها تراهن عليه من أجل الخروج من التنمية المعطوبة التي يعرفها العالم القروي.
ومن هنا سنحاول استنطاق نموذج يراهن على العمل الجمعوي المتمثل في جمعية “تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة”؛ فما هي مجالات تدخل هذه الجمعية؟ وما هي أهم منجزاتها ووفق أية مقاربة تشتغل؟.
قبل التطرق إلى مجالات ومنجزات الجمعية يستدعي منا الأمر تأطيرا منهجيا ألا وهو معرفة وضعية المنطقة قبل تأسيس الجمعية وفي هذا الإطار سنكتفي بالاشتغال بمحورين اثنين :
الأول: التنظيم الاجتماعي والماء.
ثانيا:”تاركة” والفلاحة المحلية.
منطقة “تاركة” قبل تأسيس الجمعية:
التنظيم الاجتماعي والماء:
يعتمد سكان دوار “تاركة” على موارد مائية نادرة جدا بفعل توالي سنوات الجفاف على المنطقة، ومن بينها مياه العيون التي توجد بعيدا عن الدوار وتقدر المسافة الفاصلة بين العين والقرية 1000 متر ويشكل الماء بهذه المنطقة أهم ركائز التنظيم الاجتماعي والمجالي كما يشكل كذلك الهم الأسمى لدى الساكنة.
للمحافظة وتدبير هذا المورد الأساسي لمنطقة “تاركة” نهج سكانها طرق تقليدية لتوزيع مياه السقي الذي يتم حسب نسبة المساهمة في حفر السواقي والتنقيب على المياه.
يتم تقسيمه بواسطة تقنية تقليدية دقيقة تدعى “أسقول” وهي عبارة عن عصا طويلة يبلغ طولها 3متر تقريبا، بواسطتها يتم قياس كمية المياه وتقسيمها للفلاحين حسب الحصص.
يتم كذلك اعتماد تقنية أخرى يصطلح عليها “أزمز” والتي يلعب فيها الظل الدور الأساسي لتحديد توقيت الحصص.
بالإضافة إلى هذه التقنيات يتم تكثيف جهود “أجماعة” لتعبئة العيون وتصريفها نحو الأراضي الزراعية مثلا بناء سدود تحويلية وتقليدية وتنقية السواقي.
النشاط الفلاحي:
نظرا لندرة الموارد المائية، تراهن فلاحة “تاركة” على المناخ وتقلباته، إذ يغلب عليها الطابع البوري وبالتالي يتضح لنا طبيعة ونوعية المزروعات التي هي حسب أحد سكان المنطقة؛ منتوج الشعير، اللوز، الزيتون، شجرة إيك، الخروب والصبار…
يتم تدبير الفلاحة وفق آليات وأساليب تقليدية؛ كالاستغلال الجماعي للأرض وهذا الأخير تتمخض عنه أشكال وأنواع من التضامن والتعاون الاجتماعي منها بالخصوص “التويزة” كمناسبة لإبراز مدى تضامنهم خصوصا في مواسيم؛ الحرث، الجني والحصاد….
بمنطق “التويزة” يتم إصلاح الأراضي الفلاحية التي هي عبارة عن مدرجات للحفاظ على التربة والحد من انجرافها.
لكن توالي سنوات الجفاف على المنطقة أفرز عدة ظواهر لها انعكاسات سلبية على الوسط ومنها بالتحديد الهجرة باعتبارها المؤشر الأساس الذي أثر على المنطقة وسكانها؛ عن طريق تراجع الاهتمام بالأراضي ما أدى إلى إتلاف التربة وتصحرها.
إذن كل ما قدمناه بمثابة صورة لمنطقة “تاركة” ما أفضى إلى ضرورة تأسيس جمعية ذات منطق جمعوي تشاركي .
إذ كيف يمكننا قراءة العمل الجمعوي لجمعية “تاركة لتنمية والمحافظة على البيئة” في علاقتها بالتنمية المحلية الشاملة؟ وكيف يمكن تقييم المنجزات التي تلامس الكثير من المناحي الاجتماعية؟ ووفق أية مقاربة تم ذلك؟ ومنهم الشركاء الفاعلون في هذه المبادرة الجمعوية؟.
كل هذه التساؤلات تمتلك جانبا من المشروعية،بحكم راهنيتها في الإنطراح باعتبارها مدخل أساسي للبحث السوسيولوجي. لكن نتساءل في البدء عما نقصده بالعمل الجمعوي بالتحديد.
إن العمل الجمعوي في تحديداته القانونية والسيكواجتماعية، يعتبر كخطاب يعمل في مجتمع معين بشرط وجود أفراد وجماعات تجتمع من أجل مخطط إنجازي يهدف إلى إحداث تغيرات في القيم والمواقف والعادات والممارسات والتقاليد.
إذن العمل الجمعوي حقل متميز من حقول الممارسة الثقافية والاجتماعية، ومجال للممارسة التربوية، وهو كذلك مجال أو أرضية خصبة تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي ويتم فيها الدفع بالشباب نحو تحرير وإبراز قدراتهم وطاقاتهم الإبداعية.
نقترح هنا نموذج جمعية “تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة”التي جمعت عدة مقاربات وتلبية حاجيات شرائح مجتمعها لربط العلاقة بين العمل الجمعوي والتنمية المحلية وصولا إلى درجة عليا من الفعالية والامتياز.
جمعية تاركة من الحاجة إلى الماء إلى مسلسل المشاريع التنموية:
جمعية “تاركة”:
قبل الدخول في أهم منجزات الجمعية وشركائها وأهم المقاربات التي اعتمدتها في بلورة المشاريع. يستدعي منا الأمر ولو منهجيا التعريف بالجمعية وأهم أهدافها:
جمعية”تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة” تأسست يوم 21 غشت 2001 بدوار “تيكمي ن تركة” ويكمن الهدف من تأسيسها هو تحسين وضعية السكان والحد من الهجرة القروية، وللوصول لهذه الغاية سطرت الجمعية ثلاثة مبادئ أساسية تشكل الأرضية التي ستعمل عليها الجمعية وهي: الالتزام،التطوع والاشتراك.
منجزات الجمعية:
انطلاقا من الملاحظة المباشرة والمقابلة مع رئيس وأعضاء الجمعية لنا أنها تهتم بشتى شرائح المجتمع انطلاقا من الشباب مرورا بتحسين وضعية المرأة وإشراكها في التنمية المحلية وصولا إلى تلبية حاجيات المسنين.
ما يهمنا بالتحديد في أهم منجزات الجمعية في المنطقة كل ما يتعلق بمجال الفلاحة والماء.
الماء والتنظيم الاجتماعي:
     في هذا الإطار قامت الجمعية بترميم وتجهيز مصادر الماء؛ فبعد أن كان سكان دوار “تيكمي ن تركة” يقومون بجلب الماء من منطقة “تسكويت” البعيدة عن الدوار بما يقارب 1000متر كما أسلفنا الذكر. فبفعل الإمكانيات المتواضعة والمحدودة للجمعية استطاعت في هذا المستوى أن تلبي حاجيات الساكنة؛ وذلك بإنشاء ساقية وسط الدوار وتجهيزها بالمعدات اللازمة والضرورية.
وهكذا تكون الجمعية قد حدّتْ من مجموعة من المشاكل التي تتخبط فيها الساكنة خاصة الأطفال والنساء وذلك في جلب الماء.
ولتحقيق هذا المنجز قامت الجمعية ببناء سد تحويلي بمواد عصرية (الحديد، الإسمنت…) وتبليط السواقي وقنوات الماء؛ للحد ولو نسبيا من إتلاف الكميات الكبيرة من الماء وتبخره.
وبهذا يكون قد حافظت الجمعية على الماء كمورد أساسي للساكنة وبالتالي العودة مجددا لمزاولة النشاط الفلاحي.
أما فيما يخص آليات وتقنيات التدبير المياه فبالرغم مما أنفقته الجمعية في هذا المشروع فالاستفادة منه تكون مجانية وبدون مقابل.
إنعكاسات المشروع على الساكنة:
تحسين وضعية المرأة واستفادتها من وقت الفراغ واستغلاله في مزاولة أنشطة أخرى كمحاربة الأمية والمشاركة في العمل الجمعوي وتربية الأطفال.
ارتفاع معدل التمدرس خاصة لدى الفتيات حيث نجد
أكبر من 50 بالمائة من اللواتي ينقطعن عن الدراسة في وقت مبكر يكون لأسباب جلب المياه.
إنعكاسات إيجابية حول نظافة الجسم والمكان.
الفلاحة:
فبعد إنجاز مشروع الماء ازداد اهتمام الساكنة بالنشاط الفلاحي بتأطير من الجمعية؛ وفي هذا الصدد أنجزت الجمعية مجموعة من المشاريع:
خلق مستنبت في إطار الشراكة مع الجماعة المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لغرس شجيرات صغيرة وتسويقها.
غرس 50 هكتار من الصبار. 
تحديث عمليات التشجير خاصة شجر اللوز، الزيتون والخروب…
بناء معصرة تقليدية للزيتون.
تأسيس تعاونية “تاركة” لتثمين منتوج الصبار.
تأسيس تعاونية نسوية لتربية الماشية.
إصلاح وترميم المدرجات الفلاحية وتزويدها بالسواقي.
بناء وتجهيز صهريجين لإحداث قطب ومدار سقوي جديد.
فيما يخص نوعية المزروعات نجد:
الأشجار ( اللوز، الزيتون، الخروب، إيك…).
الخضروات (البطاطس، الطماطم، البصل،الفول…).
زراعة الصبار، الشعير، الفصة…
الشركاء:
    الجماعة المحلية.
    جمعية أمودو تارودانت.
    المديرية الإقليمية للفلاحة أكادير.
Association Agrotech AGADIR.
Action d’urgence internationale France.
Lycée Agricole d’Yssingeaux ROMAN.
خاتمـــــــة :
من خلال ما أشرنا إليه من منجزات ومشاريع تنموية، تبقى جمعية “تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة” أحد أقطاب النسيج الجمعوي الناجح في الجنوب، فمن منطق ندرة المياه التي كانت الحاجة الأساسية والملحة للساكنة، للدخول في غمار التنمية، عرفت الجمعية نفس طويل من خلا الإقدام على مبادرات التكوين والتواصل،وكذا مشاركتها في ملتقيات محلية.
لنصل أخيرا إلى درس الدرس؛ الذي أوصلتنا إليه هذه التجربة الميدانية الجمعية.

وهو بالضبط الحاجة إلى السوسيولوجيا في زماننا هذا أي نعم ما أحوجنا إلى السوسيولوجيا لفهم وتفسير كل الحالات التي تعتري العمل الجمعوي، والاقتراب أكثر مما يحتمل فيه من ظواهر وقضايا اجتماعية.

تقرير حول زيارة دراسية ميدانية لجمعية تاركة &Quot;بتارودانت&Quot; 1


468 مشاهدة