ثقافة “الفيترينة”

ثقافة “الفيترينة”

عبد الرحيم العطري

كانت “الفيترينة”، وإلى حد كبير، “ضرورة وجودية” في كثير من البيوت المغربية، وإن تضاءلت خيراتها الرمزية والمادية، فلا بد من فيترينة تستعرض فيها الأواني والتحف، وذلك من قبيل “طباسل الطاوس” وكؤوس البلار والمرشات و”الحسكات” والصواني الفضية والنحاسية. لقد كانت تؤدي وظيفة استعراضية تؤمن لصاحبها نوعا من الاستعراء الاجتماعي، وتسمح له أيضا بتحقيق نوع من التمايز عن الأغيار. وبالطبع فإن ثقافة الفيترينة لم تنسحب كليا من الهندسة المجالية للبيت المغربي، وانما اتخذت أشكالا وصيغا جديدة، في مستوى الألبسة والأطعمة وأنماط العيش والفعل اليومي، في الواقعي والافتراضي. فالفيترينة تتواصل استعراضا في الفايس والسناب شات والانستغرام، وتخترق الخطابات والممارسات، الفردية والجماعية، وتمتد إلى حقول السلطة والوجاهة الاجتماعية، فالفيترينة ضرورة وجودية للفرد والدولة معا، ولا يمكن الانفلات من سحرها واغرائها، الا بمجهود تنويري ثوري.
لا بأس أن نشير الى ان ما يوضع في الفيترينة يبقى في غالب الأحايين معدوم الاستعمال، فوظيفته الزينة والابهار لا غير، كما أنه لا يستعمل الا في مناسبات محدودة، وبغاية الاستعراء الاجتماعي.
لقد ضيعت علينا ثقافة الفيترينة الاستمتاع بشرب القهوة في الفناجين، التي كنا نتأملها ونبقى مشدوهين أمام رسوماتها، كنا ممنوعين من الاقتراب منها حتى لا “نسيء” إلى اكتمالية ” السربيس ديال 36″. كما ضيعت علينا ذات الثقافة مساحة من بيتنا الصغير، كانت ستصلح حتما ل”سداري” اضافي، يسمح لشخص او شخصين بالنوم فيه، حتى نتحرر من افتراش الأرض ليلا، كانت الفيترينة ولا زالت تستنزف المجال والانسان والثروة والجهد، لتحقيق انتصارات وهمية، لهذا وجب التأكيد على أن التحرر من ثقافة الفيترينة، يعد من أهم مداخل الاصلاح.

362 مشاهدة