حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر

تقديم

قبالة ساحل الجزائر العاصمة وتحديدا في جانبها الشمالي الشرقي على طول شارع محمد بلوزداد الشهير ببلكور (belcourt) أي الساحة الجميلة، تتواجد حديقة التجارب العلمية الحامة، إحدى أجمل حدائق العالم، بمناظرها الخلابة ومسطحاتها المائية المتدفقة بالمياه، فضلا عن نباتات نادرة وأشجار معمرة تجاوزت القرن بكثير، وكل جذر منها يحمل تاريخا متشبثا بأرض ألفها وألفته من زمن.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 1

تاريخ حديقة حديقة التجارب العلمية الحامة

لا تعتبر حديقة الحامة مساحة خضراء فحسب بل هي متحف تاريخي ومجمع نفيس للتنوع البيولوجي لفصائل وأنواع قديمة من الأحياء، حيث تحتوي حوالي 3000 نوع نباتي، وأكثر من 25 نوعا من أشجار النخيل، كما تضم عددا من الحيوانات البرية المتوحشة والأليفة.

تم طرح فكرة إنشاء حديقة وإعادة تشكيل المنطقة بإقامة المنشآت وفرض مشهد جديد دعما لمزاعم نقل الحضارة مع الغزو العسكري الفرنسي للجزائر، لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك حيث تم جلب نباتات وحيوانات من كل المستعمرات الفرنسية لتتأقلم مع المناخ المتوسطي ويتم تصديرها لاحقا لأوروبا.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 2

بدأ العمل على تجسيد مشروع حديقة التجارب تبعا لقرار تجفيف المستقعات أسفل تلة غابات المداخل ( bois des Arcades) المتواجدة في أعالي مدينة الجزائر، بعد تدابير اتخذها بيير جنتي دي بوسي ثاني إداري معتمد للمدينة من ماي /أيار 1832م إلى جويلية/ تموز 1834م، وبمساعدة من الجنرال أنطوان أفيسارد الذي تولى قيادة لواء المشاة بالجزائر العاصمة في 13 ديسمبر/ كانون الأول 1832م ، ثم تولى قيادة مدينة الجزائر في 25 ماي/أيار 1833م.

حيث تم الانفاق على تخصيص مساحة تقارب 5 هكتار لفتح حديقة تجارب لزراعة النباتات، وفي عام 1837م ضُمَّت إليها أراض أخرى لتصير مساحتها حوالي 18 هكتارا.

وفي عام 1900م خصص جزء منها لتربية الحيوانات.

وبحلول عام 1929م شرع المهندسان المعماريان الفرنسيان رينييه وجيون في تجسيد تصاميمهما، حيث أنشآ حديقتين رئيسيتين.

وتولى الفرنسي أوجست هاردي إدارة الحديقة عام 1842م، وتم توسيعها ما بين عامي1848م و1867م لتصير أحدى أجمل وأكبر حدائق العالم بما تضمه من ثروة بيئية نفيسة.

التنوع الحيوي في حديقة الحامة

حديقة التجارب العلمية الحامة واسعة وفسيحة، وللولوج إليها يمكن التوجه لأحد المدخلين الرئيسين أحدهما يقع في الجانب العلوي شمالا، والثاني في الجانب السفلي غربا، وكلاهما يضم بوابة حديدية كبيرة بدفتين وبابا صغيرا، يتم فتحة لاستقبال الزوار الذين يتوافدون يوميا لزيارة المكان من العاشرة صباحا إلى السادسة مساء بسبب التدابير الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، حيث تم غلق الفترة الليلية المعتمدة سابقا.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 3

يضم هذا الفضاء الطبيعي النادر تنوعا بيولوجيا ثريا، حيث يحتوي على مسطحات مائية تحافظ على استدامته وتشكل موردا هاما للنظم الأيكولوجية، حيث تتخل البرك معظم المرافق داخل حديقة الحامة، وتحتوي بعضها على أنواع من أسماء الزينة الملونة التي تسبح في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس الدافئة.

تشكل نوافير المياه المتدفقة وسط الحديقة منظرا مثيرا حيث يمتزج صوت الماء مع زقزقة العصافير المحلقة في المكان.

كما توجد حديقتان رئيسيتان، الأولى في الجزء الشمالي الغربي وهي مطلة على الواجهة البحرية للعاصمة مصصمة وفق الطراز الكلاسيكي الفرنسي كتلك الحدائق الملكية الموجودة في قصر فرساي 25 كيلومترا غرب وسط مدينة باريس، والثانية تقع في الجزء الجنوبي الشرقي تتسم بالتداخل والعشوائية على غرار النمودج البريطاني.

وتتخلل كلا الحديقتين ممرات فرعية، وتفصل بينهما ثلاث ممرات رئيسية، ممر أشجار الداركينا أو الدارسينا (Dracaena) و تعرف بأشجار التنين والتي تشكل ممرا مظللا يظهر مسقفا لتشابك أغصانها المورقة نحو الأعلى، أما الممر الثاني المخصص لأشجار الشنار وهي أشجار استوائية نفضية معمرة، تتميز بطولها الفارع.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 4

والممر الثالث فيتميز بضمه لأشجار اللبخ وهي أشجار ضخمة متساقطة الأوراق، لها نظام جدزي عرقوبي يسمح لفصائل النباتات الخرى بالنمو قربها.

ويتوزع على طول جوانب هذه الممرات مقاعد للجلوس، تسمح للزوار بالاستمتاع بنسائمها اللطيفة والبقاء تحت الظلال الوارفة والاستفادة من هذا النظام البيئي المتكامل.

مساحة للنباتات والأشجار النادرة

مناخ حديقة التجارب العلمية الحامة ساعد النباتات والأشجار على النمو والازدهار وحتى التعمير لمدة طويلة، إذ لا تقل الحرارة الداخلية في فصل الشتاء عن 15 درجة مئوية، ولا تزيد عن 25 درجة أثناء الصيف.

تضم هذه المساحة الخضراء أهم الأنواع والفصائل النباتية النادرة ،منها 25 نوعا من أشجار النخيل أو ما يسمى بأشجار الواشنطونيا التي يمتد إرتفعها من 24 إلى 30 مترًا،وهي من الأشجار المعمرة التي تجاوز وجودها المئة سنة.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 5

توجد أنواع أخرى من أندر الأشجار فضلا عن فوائدها العلاجية والصناعية مثل أشجار الكافور، البيلسان النفضية، شجيرة الكاوتشوك الايطالي و الخيزران.

وتجلب مجموعات الأشجار والنباتات النادرة اهتمام الباحثين وطلاب العلوم والزراعة وعلم الأحياء وحتى الطب والصيدلة، حيث يقومون بدراسات ميدانية وأخذ عينات حية، وكذلك فتح مشاتل للزراعة وإجراء التجارب واختبارات عليها لاكتشاف خبايا عالم النبات والحيوان تحت إشراف مجلس علمي يسهر على المتابعة والحفاظ على هذه الثروة الطبيعية ودعم ثقافة التربية البيئية.

حديقة الحيوانات بالحامة

كانت فكرة حديقة الحيوانات للمعمر الفرنسي جوزيف دونغ عام 1900، بعدما طلب من سلطات الاحتلال الفرنسي منحه قطعة ارض من حديقة الحامة، فوافقت على إعطائه هكتارا واحدا من المساحة الإجمالية لإنشاء حديقة لتدجين الحيوانات المتوحشة التي يتم استقدامها من الأدغال الافريقية وبعض المناطق الأسياوية، ومن ثمة تصدر لأوروبا لتوضع في حداشق الحيوانات هناك.

إذ يتم تربية الحيوانات البرية من شهرين إلى ثلاثة أشهر في حديقة الحامة من أجل تأقلمها مع الوضع الجديد استئناسها بوجود البشر، وكذا تحمل الظروف المناخية الجديدة المشابهة للمناخ الأوروبي، بالاضافة للتأكد من سلامتها من الأمراض وخلوها من أي وباء.

كما قام جوزيف وزوجتة بتربية الأغنام من أجل أصوافها ولحومها وكذلك النعام الذي يستغل بيضه وريشه في الصناعة، وبالفعل نجح الزوجان عام 1912 في تحويل عدد كبير من الحيوانات المتوحشة المدجنة إلى أوروبا وازدهر الاتجار بها.

تضم حديقة الحيوان اليوم أنواعا مختلفة من الحيوانات مثل الأسود، الغزلان، االفردة، والتمساح كما توجد أنثى تمساح محنطة، اسمها جاكلين وتم استقدامها من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1900 م، وقد توفيت في 28 أبريل /نيسان 1990 عن عمر ناهز 100 سنة وتم الاحتفاظ بها تخليدا لذكراها وتعميرها لمدة قرن في الحديقة.

حديقة التجارب ..وجهة سياحية

تعد حديقة الحامة قبلة للسياح من داخل الوطن وخارجه، فهي مقصد العائلات الجزائرية طيلة أيام السنة، إذ تستقبل في فترات العطل ملايين الزوار من كل الولايات، فهناك شبكة نقل واسعة تسهل الوصول إليها فضلا عن وجود مرافق متنوعة ومحلات تقدم خدمات نوعية منها المطاعم وأكشاك الوجبات السريعة.

كما يتواجد باعة جائلون على مستوى المدخلين الرئيسيين يحملون البالونات الملونة وأنواعا مختلفة من اللعب التي يقبل عليها الأطفال بشغف.

ويتوافد على حديقة التجارب أجانب من كل الجنسيات حيث يأخذون صورا تذكارية ويستمتعون بمناظر خلابة ساحرة منقطعة النظير وسط جو نقي لطيف، أين يتعرفون عن قرب على مجموعات الأشجار والنباتات والحيوانات النادرة التي تضمها أرض الجزائر منذ أكثر من 150 سنة.

حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر 6
حديقة التجارب العلمية الحامة بالجزائر

761 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *