حكاية هيثم

حكاية هيثم

القصة السابعة عشر من سلسلة قصصية للكاتب شاكر صبري، تنشر حصريا على موقع معين المعرفة. (جميع الحقوق محفوظة ويمنع نسخ القصص ونشرها على مواقع أخرى أو طباعتها).

كانَ هَيْثَمُ تِلْميذَاً مُشاغِباً في السَّنَةِ الثانِيَةِ منْ المَرْحَلَةِ الابْتِدائِيَّةِ , لا يَهْتَمُّ بِنَصائِحِ المُعَلِّمينَ لَهُ  , لا يُذاكِرُ دُروسَهُ  ,  لا يَهْتَمُّ بما يَدورُ حَوْلَهُ  , لا يُصَلِّي  ,  لا يُحِبُّ أنْ يَعْرِفَ أَيَّ شَيْءٍ  عنْ الأَخْلاقِ والقِيَمِ  ,.

  وحينَ  يَنْصَحُهُ  زُملاؤهُ يَقولُ لَهُمْ : سَوْفَ أَفْعَلُ غَداً ,  وسَوْفَ  أَنْجَحُ غَداً  ,  حتَّي مَلُّوا منْ كَلِمَةِ غَدٍ  التِّي جَعَلَها وَسيلَةً  للْهُروبِ من نَصائحِهِمْ   وتَوْجيهاتهِمْ , ويَأْتِي غَدٌ  فَيُقولُ : غَداً  وقدْ  تَعَوَّدَ علَي مَقولَةِ ” إنَّ غَداً منْ ناظِرِهِ  قَريبُ ”  والتِّي  حَفِظَها  منْ  مُدَرِّسِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ  .

 لاحَظَ  أَحَدُ المُدَرِّسينَ  إهْمالَ  هَيْثَمٍ  ,  و شَجَّعَهُ  كَثيراً علَي الاجْتِهادِ  ولَكِنَّ  هَيْثَمَ  كانَ  يَقولُ لَهُ  أَيْضَاً :  غَداً ,  غَضِبَ المُدَرِّسُ منْ  إِهْمالِهِ  وعَدَمِ  تَقْديرِهِ  لِمَسْئولِيَّتِهِ فَطَلبَ  حُضورَ ولِيَّ أَمْرِهِ  لِمَعْرِفَةِ أَسْبابِ إِهْمالِهِ .

حَضَرَتْ والِدَتُهُ  لِأنَّ والِدَهُ  كانَ قدْ سافَرَ .

  وحينَما  طَلَبَ المُدَرِّسُ منْها الاهْتِمامَ بِهَيْثَمَ ,  قالَتْ لَهُ : أَنا لا أَسْتَطيعُ  مُعاقَبَتَهُ  ولا إيذاءَهُ , إنَّ  إيذاءَهُ  يؤلْمِنُي , فَنَصَحَها قائلِاً : لَيْسَ المَقْصودُ بالاهْتِمامِ العُقوبَةَ , يُمْكِنُ اسْتِخْدامِ عامِلِ التَّحْفيزِ  , لا بُدَّ منْ الاهْتِمامِ بِهِ  أَكْثَرَ من ذلكَ  , إنَّهُ صَغيرٌ ويَحْتاجُ إلَي نُصْحٍ وإِرْشادٍ  , ثمَّ قالَ لَها: سَوْفَ أَقومُ بِأَداءِ دَوْرِي كَمُعَلِّمٍ مَعَهُ ,  أمَّا ما عَلَيْكُم  فَأَنْتُمْ  مَسْئولونَ عَنْهُ   .

انْصَرَفَتْ والِدَتُه دونَ أنْ تَعِدَ المُدَرِّسَ بِشَيْءٍ

ومَرَّ العَامُ الدِّراسِيِّ وللْأَسَفِ رَسَبَ هَيْثَمُ في الامْتِحانِ , وهُو المُتَوَقَّع ُ لَهُ منْ الجَميعِ ,..

   لمْ يُبالِ هَيْثَمُ بِذَلِكَ ,  حَتَّي والِدَتُه لمْ تَغْضَبْ ولَمْ تَحْزَنْ علَي رُسوبِهِ  .

 و مَعَ بِدَايَةِ العامِ الدِّراسِيِّ التَّالي , أَصْبَحَ هَيْثَمُ في السَّنَةِ الثانِيَةِ وزُمَلاؤهُ   في السَّنَةِ الثالِثَةِ  ,… وَجَدَ أنَّ بَعْضَ  زُملائِهِ يَقومونَ بِتَعْييرِهِ  لِأَنَّه رَسَبَ .

وَوَجَدَ نَفْسَهُ  يَشْعُرُ  بالخَجَلِ أَمامَ  نَفْسِهِ  .

وذاتَ يَوْمٍ وَجَدَ نَفْسَهُ يَبْكي بِسَبَبِ كَلامٍ سَمِعَهُ منْ صَديقٍ لَهُ كانَ مَعَهُ في العامِ السابِقِ , ثُمَّ  سَبَقَهُ وأَصْبَحَ في الصَّفِ الثَّالِثِ  .

 قالَ هَيْثَمُ : لَيْتَني سَمِعْتُ نَصِيحَةَ مُدَرِّسي المُحِبَّ لي والمُخْلِصَ ,  لَيْتَني  لَيْتَني  , وهوَ يَتَذَكَّرُ إِهْمالَهُ  واسْتِهْتارَهُ  ,

وقالَ : سَوْفَ أَبْدَأُ  مَرْحَلَةً  مُخْتَلِفَةً عنْ السَّابِقَةِ ,  لا بُدَّ أنْ أُصْبِحَ  فَرْداً آَخَرَ .

وبَدَأ طَريقَ الاجْتِهادِ والجَدِّ ,  وظَهَرَ ذَلِكَ جَلِيِّاً عَلَيْهِ  فَقَامَ المُدَرِّسونَ  وبَعْضَ زُملائِهِ المُحِبِّينَ لَهُ بِتَشْجِيعِهِ .

وعَلِمَ المُدَرِّسُ الذِّي كانَ مُهْتَمًّا بِهِ العامَ السَّابِقَ بِتَحَسُّنِ حالِ هَيْثَمَ  فَزَادَ اهْتِمامَاً  بِهِ ,  وقامَ بِتَشْجيعِهِ أَكْثَرَ ,  وأَسْنَدَ لَهُ  إِلْقاءِ كَلِمَةِ في طابورِ  الصَّباحَ اليَوْمِيِّ في المَدْرَسَةِ .      

و لمْ يَكْتَفِ هَيْثَمُ بِذَلِكَ بلْ بَدَأ يَحْفَظُ للْقُرْآنِ , ..

 وانْتَهَي العامُ الدِّراسِيُّ , و حَصَلَ  هَيْثَمُ علَي التَّرْتيبِ الثالِثِ علَي  زُملائِهِ  في الفَصْلِ .

 وكانَتْ فَرْحَةٌ كَبيرَةٌ لِهَيْثَمَ ولِمُحِبِّيهِ  .

 وبَدَأَ هَيْثَمُ يَسيرُ علَي دَرْبِ النَّجاحِ والتَفَوُّقِ …

وفي العامِ التَّالي حَصَلَ  هَيْثَمُ علَي الطَّالِبِ المِثالِي علَي المَدْرَسَةِ ,

وظَلَّ هَكَذا يَتَقَدَّمُ كُلَّ عامٍ منْ نَجاحٍ إلَي نَجاحٍ .

   كانَ يَتَذَكَّرُ  إِهْمَالَهُ  واسْتِهْتَارَه ويَقولُ : يَجِبُ أنْ لا أَنْسَي يَوْماً ما  ما حَدَثَ لي  , فَقدْ كانَ دافِعاً كَبيراً  لي للْنَجاحِ  والتَّفَوُقِ .

381 مشاهدة