“سونيتكس”..عملاق الصناعات النسيجية في الجزائر

“سونيتكس”..عملاق الصناعات النسيجية في الجزائر

الشركة الوطنية للصناعات النسيجية .. ريادة وتمكين

الشركة الوطنية للصناعات النسيجية (Société Nationale des Industries Textiles) الشهيرة بـ “سونيتكس Sonitex” اختصارا للتسمية الكاملة، الرائدة في مجال حياكة النسيج وتصميم القماش والأزياء الجاهزة، تمكين اقتصادي وقوة في العمل والإنتاج لعقود متتالية.

تمثلت مهمتها الرئيسية في تزويد السوق الوطنية بمنتجات الغزل والنسيج، لتغطية متطلبات المستهلك في السوق المحلي، وتلبية حاجيات المصانع الدولية من المواد الأولية والمصنعة.

حيث اشتهرت بحياكة مختلف أجود أنواع القماش، إنتاج الجلود، وتصنيع الخامات، منها المادة الأولية لصناعة الأحذية الرياضية مثل: أديداس.

فضلا عن نسج الخامة الأولية للأقمشة الثقيلة المستعملة في تنجيد المراتب الموجهة لصناعة الأغطية وبطانة الأسرة حيث كانت المورد الأول لسوفيتال.

علاوة على خياطة المناشف وملابس الاستحمام (الكتان والقطن والحرير) ومفارش المائدة، والقماش الفاخرالشهير باسم دلاموني ويقصد به الحريرالنقي.

عمليا نافست المنتجات الوطنية النسيجية والجلدية العلامات التجارية الكبرى في الأسواق الأوروبية، حيث أبدعت هذه الشركة العريقة بإنتاج أجمل الملابس لاسيما البدلات الرياضية، ودعمت الرياضة إذ أنها كانت الراعي الرسمي للفرق الوطنية.

ففي كأس العالم (مونديال) 1982 بإسبانيا تم اختيار لباس الفريق الوطني كأحسن بدلة رياضية في الدورة، وهي عبارة عن قميص وتبان مصممان من قماش الجيرسي الناعم ويغلب عليهما اللون الأبيض مع الأخضر وكلمة “الجزائر” المكتوبة على صدر القميص ليشهد التاريخ أن الجزائر كانت حاضرة بقوة وبعلامة تدل على جودة الصناعة.

“سونيتكس”..عملاق الصناعات النسيجية في الجزائر 1

المسار التاريخي للشركة الوطنية للصناعات النسيجية

عند استقلال الجزائر كان الوضع في البلاد معقدا، فالمستعمر الفرنسي لم يتوان عن ترك الدماروالفوضى وراءه وعلى كل المستويات، ووجد الشعب الجزائري نفسه في دوامة من المشاكل أهمها:

• تفشي البطالة مع غياب مناصب شغل لامتصاصها في ظل انعدام المؤسسات.

• ندرة الحاجيات الأساسية للسكان، وقلة المنتجات.

• ضعف الجهاز الإداري وعدم وجود صناعة قوية.

وغيرها من المشاكل التي جعلت الدولة تبحث عن حلول استعجالية لخلق اقتصاد وطني قوي يعتمد على الزراعة والصناعة لتحقيق التنمية، ومن هنا سارعت السلطات لتأسيس مصانع باستغلال الموارد المادية والبشرية المتوفرة.

تم إنشاء أول شركة وطنية للحلويات (SONAC) في 3سبتمبر/ أيلول 1964 متبعا للمرسوم رقم (64-272)، لتصبح في 22 جولية/ يوليو 1966م الشركة الوطنية للصناعات النسيجية (SONITEX) وفق المرسوم رقم (66-218) وتشرف على إدارة خمسة (5) مصانع.

فالاستثمار في مجال إنتاج المنسوجات والجلود لا يحتاج إلى رأس مال كبير، فضلا عن إمكانية التحكم بتكنولوجيا وإدماج اليد العاملة الشابة المتوفرة، وهذا هو الحل الأمثل للتخلص من التبعية الشبه تامة للخارج في هذا الميدان تحقيقا لمقولة: “نأكل مما نزرع.. ونلبس مما نصنع”.

في عام 1972م، اندمجت سونيتكس مع الشركة الوطنية لمواد التصنيع، التي أنشئت عام 1963م بهدف تطوير ورش صغيرة للملابس كإجراء فعال للدعم الاجتماعي في مجال الملابس والمنسوجات عموما، واحتفظت باسمها الأول، ومع نهاية عام 1973م تم الترخيص لها بالاستيراد والتسويق المباشر.

في عام 1982م وضمن إطار الإصلاحات خضعت الشركة لعملية إعادة هيكلة تنظيمية عضوية ومالية (Restructuring)، هدفها إنشاء مؤسسات وطنية صغيرة الحجم (وحدات) على أساس مبدأ تخصص الأنشطة على المستوى العمودي (الأداء وتحكم الفرد العامل بالعمل الموكل إليه في المؤسسة)، وعلى المستوى الأفقي (اتساع النشاط، زيادة عدد الفعاليات وتنوع أنشطة العمال)، وكذا اعتماد اللامركزية (نقل السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين وأجهزة تابعة للشركة الأم على مستوى أدنى).

بإعادة هيكلة المؤسسة الوطنية للصناعات النسيجية (SONITEX) انبثقت مؤسسات شرق، غرب، وسط وجنوب وهي:

1. المؤسسة الوطنية لتوزيع المنتجات النسيجية (DITRITEX)

2. المؤسسة الوطنية للأنسجة الصناعية (INDITEX)

3. المؤسسة الوطنية لتفصيل الملابس الجاهزة القطنية (ECOTEX)

4. المؤسسة الوطنية للصناعات النسيجية الحريرية (SOITEX)

5. المؤسسة الوطنية الألياف النسيجية الصوفية (ELATEX)

6. المؤسسة الوطنية للصناعات النسيجية الصوفية(COTITEX)

ومن جهتها انقسمت إمكانات الإنتاج العام لفرع المنسوجات والجلود إلى 16 شركة:

1 – قطاع القطن:

1.1- شركة صناعة المنسوجات القطنية(COTITEX): كوتيتكس ذراع بن خدة، كوتيتكس باتنة، كوتيتكس الأغواط، كوتيتكس سبدو تلمسان.

تمت إعادة هيكلة هذه الشركات الأربع إلى 8 شركات أخرى.

1.2- شركة صناعة الحرير (SOITEX): متخصصة في صناعة المنسوجات الحريرية، تلمسان.
تمت إعادة هيكلة هذه الشركة إلى شركتين فرعيتين.

1.3- شركة قطاع البطانيات (COUVERTEX): شركة متخصصة في صناعة البطانيات.
تمت إعادة هيكلة هذه الشركة إلى 4 شركات.

1.4- شركة صناعة الملابس والجوارب (ECOTEX): متخصصة في تصميم وخياطة الملابس الجاهزة وحياكة الجوارب.
ثم أعيد هيكلة هذه الشركة إلى 18 مؤسسة مصغرة.

1.5- قطاع المنسوجات الصناعية (القطن والجوت/ cotton and jute) (INDITEX): شركة متخصصة في إنتاج المنسوجات الصناعية القائمة على الجوت والقطن، سيدي موسى، مسيلة.
تمت إعادة هيكلة هذه الشركة إلى 8 شركات.

1.6- قطاع الصوف(ELATEX): شركة متخصصة في صناعة المنسوجات الصوفية، وحدة تيارت، وجدة بسكرة، وحدة سوق أهراس، وحدة خنشلة.

2 – الجلود:

2.1- شركة الأحذية والمصنوعات الجلدية ((EMAC: المتخصصة في صناعة الأحذية والمصنوعات الجلدية (حقائب، محافظ.. إلخ).

تمت إعادة هيكلة هذه الشركة إلى 12 شركة فرعية:

2.2- الشركة الوطنية للصناعات الجلدية (ENIPEC): متخصصة في صناعة وتحويل الجلود الطبيعية ودباغتها.

شكلت هذه الوحدات مجمعات متكاملةللغزل والنسيج والصناعة الجلدية وشركة التسويق، حيث تحول المواد الخام الليفية والجلود إلى منتجات شبه عاملة أو مصنعة بالكامل وجاهزة توجه للموزعين،أين يتم إحصاء المنتجات وتوجيهها للتسويق.

وعن ذلك يقول السيد يوسف بن صدوق (1969- 1995) المكلف بإحصاء المنتجات الواردة للمخازن التابعة للشركة وتوجيهها للتسويق على مستوى الجزائر العاصمة: “كل ما يدخل إلى المخازن أو يخرج منها يخضع لنظام الجرد الدوري، ولا شيء يمكنه أن يمرر من دون مراقبة، لقد كان المدير العام السيد حفيظ خليل –رحمة الله عليه- رجلا نزيها جديا ودقيقا في العمل، كانت المنتجات وفيرة وبجودة عالية، لكن أغلب تلك المخازن اليوم تحولت إلى محلات تحت اسم نادي جاكت”.

لقد تم إغلاق عدد كبير من الشركات التابعة للشركة الأم سونتيكس لكن هناك وحدات قليلة بقيت تتحدى الظروف والمصاعب المالية وتنتظر التعافي الاقتصادي، ووحدة ذراع بن خدة مثال حي يسعى للخروج من حالة تراجع النشاط.

وحدة ذراع بن خدة.. وتستمر المسيرة

وحدة ذراع بن خدة للنسيج (DBK) ملحقة للشركة الأم الشركة الوطنية للصناعات النسيجية (SONITEX)على بعد 10 كم غرب ولاية تيزي وزو.

تم إنشاؤها بموجب اتفاقية بين الجزائرومصرعام 1963م، على مساحة تقدر بـ 280 هكتار، أين بدأ الإنتاج في القسم الأول منها (الغزل) في ديسمبر/ كانون الأول 1966م، إذ يتم تحويل المواد الخام إلى خيوط.

أما القسم الثاني (النسيج) فقد شرع في العمل في جويلية/ يوليو 1967م، وقد خصص القسم الثالث لعملية التشطيبفي العام ذاته.

تم توسيع المصنع ما بين (1974-1981) ، وفي عام 1982م أصبحت وحدة ذراع بن خدة جزءا من كوتيتكس تيزي وزو التي تضم إحدى عشرة (11) وحدة إنتاجية وهي:

1. وحدة النسيج واد التليلات غرب وهران.

2. مجمعالغزل والصباغة بريكة بولاية باتنة.

3. مجمع المنسوجات قسنطينة.

4. وحدة النسيج الأغواط.

5. وحدة النسيج الحراش.

6. مجمع نسيج القطيفة المخملية بجاية.

7. مجمع المنسوجات سبدو تلمسان.

8. مجمع باتنة للنسيج.

9. وحدة نسيج الكرمة.

10. مجمع النسيج ذراع بن خدة.

11. وحدة التشطيب خراطة.

في أواخر التسعينات بسبب الضغط الزائد لليد العاملة اضطر عدد كبير من العمال إلى المغادرة الطوعية أو التقاعد.

“سونيتكس”..عملاق الصناعات النسيجية في الجزائر 2
صورة من أرشيف مصانع سونيتكس

وفي ديسمبر 2004 قررت السلطات العامة إغلاق المصنع، ولكنه استفاد من مخطط إنعاش للحفاظ على نشاطه، وحظي بإعادة تأهيل وتحديث بعض عمليات التصنيع التي تهدف إلى زيادة القدرة الإنتاجية وتحسين نوعية المنتجات.

رصدت الدولة غلافا ماليا قدره 5ر3 مليار دج من أجل إنجاز أشغال إعادة التأهيل والتحديث، وتضمنت هذه الأشغال الغزل بطاقة إنتاجية قدرها 3000 طن/ سنة، وإعداد النسيج وتنصيب محطة الهواء المضغوط واقتناء حرف نسيج.

وفقا لمكتب الدراسات القائم على العملية فقد ارتكزت الأشغال على الهدم الكلي للمستودع السابق الذي تبلغ مساحته 000 16 م2، في حين أعيد بناؤه وفقا للمعايير الملائمة لهذا النوع من النشاط، لاسيما إنشاء بالوعات بعمق حوالي 2.70م لضمان دورة التحويل داخل المستودع و حماية النسيج من التأثربالرطوبة.

ويشتغل حاليا حوالي 600 عاملا بينما كان يضم المصنع سابقا أكثر من 5000 عاملا.

ذكريات من شركة سونيتكس.. برنامج الرعاية الاجتماعية

كانت الشركة الوطنية للصناعات النسيجية مصدر رزق لعدد كبير من العائلات الجزائرية، فضلا عن أنها ألبست المواطنين لعدة سنوات، ورافقتهم في المناسبات وفي كل دخول اجتماعي لاسيما الدخول المدرسي بتوفير المآزر والمحافظ التي تسوق بأسعار تنافسية.

منحت الشركة امتيازات كثيرة للعمال، حيث تكفلت كل سنة بأبنائهم المتمدرسين مهما بلغ عددهم، بمنح الجميع محافظا مليئة بكل الأدوات المدرسية واللوازم، ومآزر وردية للبنات وزرقاء للذكور، علاوة على بدل رياضية من أجود الخامات بعضها حريري مبطن بالقطن مناسبة لمقاومة برد الشتاء، بعد أن فتحت أبواب المخيمات الصيفية طيلة عطلة الصيف.

ومن جهة أخرى عند وجود فائض في الانتاج واستيفاء كل الطلبيات من كل سنة تعمد الشركة لبيع الفائض للعمال كما تهديهم طرودا من مختلف أنواع الأقمشة تشجيعا لهم على عملهم الجاد.

وهذه الخطوة ساعدت الكثيرين من الذين كانوا يقومون بخياطة هذه الأقمشة للاستعمال العائلي وحتى لصنع ملابس جاهزة وبيعها بأثمان مناسبة.

وفتحت تعاونيات تضم مختلف أنواع المنتجات الوطنية (ألبسة، أحذية، بطانيات، مفارش، أواني خزفية الشهيرة بخزف ميلة..إلخ) تباع بالسعر الأولي للمصانع قصد مساعدة العمال.

اقتصاد قوي.. كفاءة وخبرة

قامت الشركة الوطنية للصناعات النسيجية على مر عقود بتطوير وتصميم مجموعة واسعة من المنسوجات لمثل هذه القطاعات المتنوعة التي تتراوح من الملابس والمفروشات والبطانيات والملابس للهيئات المكونة والأقمشة التقنية والأقمشة للاستخدام الصناعي وغيرها من المنتجات..

حيث اكتسحت الأسواق المحلية والدولية، بتوفيق من الله ثم بفضل عدد كبير من فرق المهندسين والفنيين والمصممين والحرفيين المبدعين الشرفاءالذين لم يتقاعسوا أو يبخلواعن تقديم منتجات وطنية عالية الجودة وبكميات هائلة، حققت التنمية الفعلية وأسست لاقتصاد قوي.

في جويلية/يونيو 2012 انتقل وفد برئاسة المدير السابق لولاية وهران لزيارة موقع الشركة الوطنية للصناعات النسيجية بوادي تليلات في وهران الذي أشرف على إدارته السيد محمد بلونار من 1966م إلى 1980م، ليظهر بعدها مشروع تجميع سيارات رينو في الموقع ذاته بعدما تم إهماله منذ عام 2004م.

أما ورش شركة سونيتكس بولاية تيارت التي تتربع على مساحة تتجاوز 20 هكتارا وبدأت نشاطها في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1976م، فقد أغلقت أبوابها مطلع التسعينات لتتحول إلى مخازن لمحصول القمحلعدم توفر مخازن في المنطقة بعدما طالها الإهمال، ثم منحت لأحد المتعاملين الاقتصاديين في إطار شراكة إيرانية لتركيب السيارات.

مؤخرا استرجع مصنع النسيج بسور الغزلان التابع لشركة سونيتكس بمساحة 8000 م2 بعدما بيع بالدينار الرمزي إلى مطور عقاري على صلة قرابة بمسؤول تنفيذي سابق في الولاية، وتشير بعض المصادر المضطلعة أنه تم فتح تحقيق قضائي.

مازال قطاع صناعة النسيج في الجزائر اليوم يعاني من قلة الإنتاج لكن ذلك لا يعني استحالة النهوض به، وكمبادرة تشجيعية للإنتاج المحلي افتتحت مجموعة من المراكز التجارية في مناطق متفرقة من الوطن باسم نادي جاكتس (JAKET’S CLUB) تؤكد أنها إعادة بعث للشركة الوطنية للصناعات النسيجية (Sonitex).

لماذا هذا المقال؟

في صغري أهداني والدي –رحمة الله عليه- زهرة القطن التي أحضرها من وحدة ذراع بن خدة كانت أول مرة أشاهد فيها هذا النوع من النباتات، مازلت أذكرها ببياضها الناصع وملمسها الناعم الرطب، لقد اندهشت لجمالها وثقلها واستغربت كيف أنه يتم تحويلها لخيوط تنسج منها أفخر الخامات.

وعليه اجتهدت في البحث وجمع أكبر كم من المعلومات ومن عدة مصادر موثوقة إحياء لذكرى أبي–طيب الله ثراه- الذي عمل بشركة سونيتكس فرع كوتيتكس الحراش لقرابة ثلاث عقود كمسير للمطعم وما انقطع عن العمل إلا لدواع صحية.

وقد كان يزور المصنع باستمرار، لكن آخر زيارة له كانت ذكرى أليمة لأنه أغلق أبوابه ولم يعد يشتغل بقوة كسابق عهده.

كلمات أبي الراحل مازالت حاضرة وتتردد على مسامعي لأستذكر معها أن الجزائر أنجبت رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبعد رحيل المستعمر الفرنسي رغم الأزمات المتعددة عمل الجميع شعبا ودولة لتأسيس اقتصاد قوي حقيقي بإنتاج وطني فاخر، حقق النجاح محليا والامتياز خارجيا..

وعلى أمل الانطلاق مجددا نتساءل: أين أبناء الجزائر المجدين الشرفاء ليمدوا السواعد ويبنوا القواعد؟

“سونيتكس”..عملاق الصناعات النسيجية في الجزائر 3
رزنامة قماشية لعام 1406ه /1986م من صنع شركة سونيتكس

510 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *