شبكات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والإخلال بالآداب الرقمية

شبكات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والإخلال بالآداب الرقمية

تقديم

شهد المغرب في الآونة الأخيرة جائحة فيروس كورنا، مرغمة إياه على فرض حجر صحي كامل على البلاد. فتحت معها باب العالم الرقمي على مصراعيه على جميع المجالات (اقتصاديا، وثقافيا، واجتماعيا،…).

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هو المكان البديل الذي غدا بإمكان الفرد التعبير عن رايه بل وأكثر من ذلك مشاركة الناس بما يقوم به في حياته اليومية. فلا تكاد معلومة أو خبر صحيح أو زائف الا وانتشر كالنار في الهشيم.

ومن هنا تداعت عدة أصوات الى كون مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تقوض سِلمنا الفردي والمجتمعي وهي ضرورة حان الوقت للحد من غلوائها.

– إذن كيف يمكن للفرد التعبير عن رأيه باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي دون الاخلال بالآداب الرقمية في إطار علاقة تربط الحق بالمسؤولية؟

مفهوم شبكات التواصل و مميزاتها

شبكات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والإخلال بالآداب الرقمية 1

يطلق مصطلح شبكات التواصل الاجتماعي على مجموعة من المواقع على شبكة الأنترنيت التي ظهرت مع الجيل الثاني أو ما يعرف باسم (web2) تتيح التواصل بين الافراد في بيئة افتراضية يجمعهم على وفق مجموعات اهتمام أو شبكات انتماء (بلد، جامعة، مدرسة، شركة،…)، ويتم هذا كله عن طريق خدمات التواصل المباشر من إرسال الرسائل أو الاطلاع على الملفات الشخصية للآخرين ومعرفة أخبارهم والمعلومات المتاحة للعرض. [(1)]

مميزات شبكات التواصل الاجتماعي

تتميز شبكات التواصل الاجتماعي بخصائص متعددة كانت سببا في انتشارها بين الباد والحاضر ومنها [(2)]:

  • الحضور الدائم غير المادي ( يكفي وجود سمات للهوية الحقيقية أو شخصية مستعارة في عالم غير واقعي).
  • التلقائية والإنفتاح (عدم المواجهة الشخصية وتفادي الشعور بالرهاب أو الخجل).
  • المرونة وقلة التكلفة.
  • إذابة الفواصل الطبقية (زوال الفوارق والحواجر الاجتماعية وغيرها).
  • عالم افتراضي للتواصل ( وجود قنوات تواصل متعددة وبأشكال مختلفة، مكتوب، سمعي بصري…).
  • سهولة الاستخدام (توفر أدوات وتطبيقات سهلة الاستخدام ومتاحة للعامة).
شبكات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والإخلال بالآداب الرقمية 2

شبكات التواصل الاجتماعي وحرية التعبير

ترتكز حرية التعبير كحق على تمكين المواطنين من التعبير عن أراءهم بشتى الوسائل الإعلامية والتعبيرية المكتوبة والمسموعة والمقروءة … ومختلف أشكال الابداع كالرسم والقصة والشعر…إنها حرية استعمال كل الوسائل التي تمكن المواطن من إيصال رأيه في مختلف القضايا إلى الرأي العام في المجتمع المحلي وحتى الرأي العام الخارجي [(3)].

بدأت شبكات التواصل الاجتماعي عصراً جديداً من الانفتاح الحضاري بين الأُمم، وسهَّلت بصورة غير مسبوقة عملية الاتصال والتواصل والتفاعل المباشر وغير المباشر بين شعوب العالم من مختلف الجنسيات والثقافات، وغزت العقول بإيجابياتها وسلبياتها وفرضت نفسها بقوّة، وقصَّرت المسافات وتجاوزت كلّ الحواجز والحدود، إضافة إلى أنّها سهَّلت عملية تدفق المعلومات مع تبادل الآراء والأفكار بين الناس من مختلف الفئات، والاطلاع على ثقافات الشعوب الأُخرى، حيث أصبح الإنسان قادراً على رصد ما يجري على الطرف الآخر من الكرة الأرضية لحظة وقوع الحدث، وما يدور في هذا العالم من اختراعات واكتشافات، محوّلة العالم أجمع إلى قرية كونية صغيرة [(4)].

لقد تمخض عن التطور التكنولوجي تفاعلات متسارعة، حيث فرضت وسائل الاتصال والتواصل نمط حياة جديدة، دفعنا الى تغيير عادات.

وقد أنتج دخولها علينا بتدفق وبشكل سريع مشكلات اجتماعية وأخلاقية، فبدلا من أن تعطينا معرفة ومعلومات وانفتاح ذهني على العالم أخذت منا الألفة والمحبة والتلاحم الأسري، وسرقت الحشمة والحياء والبراءة من أغلب شبابنا وبناتنا على وجه الخصوص [(5)].

إن شبكات التواصل الاجتماعي ليست عالما مجردا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليدية، لذلك بات الزاما تقنين الممارسة الفعلية لها، وهذا ما دأبت إليه بعض القوانين سواء المتعلقة بالجريمة الالكترونية أو التي تم إصدارها مؤخرا لاستخدام التكنولوجيا الرقمية بكل وعي ومسؤولية [(6)].

إن مفهوم الآداب الرقمية قد يبدو افتراضيا وفضفاضا لما يطرح من أفكار، إلا أنه أصبح واقعا يجب الوعي به من قبل أي مواطن رقمي إن صح التعبير بعدم إيذاء الاخرين بالسلوكيات والكلمات غير المسؤولة كالتهديد والابتزاز والتحرش والتنمر الإلكتروني…

وصفوة القول إن شبكات التواصل الاجتماعي من بين الوسائل التي وظفت لتحسين البيئة الواقعية وتنمية المهارات ونشر الوعي بمختلف المجالات والتعبير بكل حرية، فالتحلي بالأخلاق والآداب الرقمية من الصفات التي يجب التحلي بها من قبل المواطنين الرقمين. فحرية التعبير والالتزام بالآداب الرقمية وجهان لعملة واحدة، ويمكن القول من غير تحفظ أن هذا العالم الإفتراضي هو إمتحان للأخلاق، ومهما كان نوع المادة التي يجب اجتيازها سواء فايسبوك، تويتر، أنستغرام، واتس آب أو يوتيوب وغيرها من أوراق الإختبار يجب تقديم إجابة واضحة من غير تضليل أو إساءة التمثيل.


قائمة المراجع

  • [(1)] حسين محمود هتيمي (2015)،“العلاقات العامة وشبكات التواصل الاجتماعي”، دار أسامة للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، الأردن، عمان، ص:82.
  • [(2)] المرجع السابق، ص: 85-86 (بتصرف).
  • [(3)] اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ البرنامج الوطني لحقوق الانسان، “دليل مرجعي في مجال حقوق الانسان”، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، ص: 27-28.
  • [(4)] عامر أحمد السويداني (2019)، “شبكات التواصل وتأثيرها على المجتمع”، تاريخ الاطلاع 1-01-2021 على الرابط: https://www.balagh.com/article/ 
  • [(5)] اخلاص داود (2017)، “كيف عبثت شبكات التواصل الاجتماعي بالقيم الأخلاقية”، تاريخ الاطلاع 1-1-2021 على الرابط: https://annabaa.org/arabic/investigations
  • [(6)] بعض القوانين التي تخص الجانب الرقمي: القانون المغربي رقم 03-07 المتعلق بالأخلال بسير نظم المعالجة الالية للمعطيات.

472 مشاهدة