سارة بن زعمية – الجزائر- تخصص الطب جامعة البليدة
يمكننا أوليًّا تقسيم الآلام (المزمنة على وجه الخصوص) -من حيث طبيعتها- إلى قسمين كبيرين: آلام ميكانيكيّة وآلام التهابيّة، لذلك عند زيارة الطّبيب قصد تشخيص ألم في الرّكبة مثلا سيسألك: متى تؤلمك ركبتك؟ هل الألم مرتبط بالأنشطة البدنيّة التّي تستدعي توظيف الرّكبة كالوقوف أو المشي وتختفي بمجرّد التّوقف عن النّشاط؟! أم أنها آلام ليليّة قد توقظك من النوم أحيانًا؟!
الإجابة عن السّؤال السّابق ستحدّد طبيعة الألم: فالنّوع المرتبط بالأنشطة يصنّف كألم ميكانيكيّ، أما الألم الذّي يتفاقم ليلًا يصنف كألم التهابي.
لمذا تتفاقم الآلام الالتهابيّة ليلًا؟
الشّعور بالألم عمليّة معقّدة جدًّا تشارك فيها العديد من البنيات والوسائط، لكن إذا أردنا تبسيطها يمكننا أن نقول: أن مستقبلات الألم في النّهايات العصبيّة التّي تتوزّع على أجزاء الجسم بطريقة غير متساوية (بعض المناطق عالية الحساسية وبعضها الآخر ضعيف الحساسية وتنعدم في أخرى كالقشة الدّماغيّة) مسؤولة عن نقل الشعور بالألم إلى الجهاز العصبيّ المركزيّ بهدف القيام بمنعكس لحماية الجسم كسحب اليد مثلًا لحظة ملامسة سطح ساخن أو لتنبيهه أن جزءً من الجسم بحاجة للعناية!
مستقبلات الألم نفسها متنوّعة بعضها تحفّزه الحرارة وبعضها الضّغط والبعض الآخر الوسائط الكيميائيّة وبعضها هجين تحفّزه منبّهات ذوات طبائع مختلفة.
لنتحدّث عن الالتهابات الآن، الالتهابات وكما تعلّمنا في المتوسّط هي ردّة فعل طبيعيّة للجسم السّليم تجاه اعتداء خارجيّ تقودها الخلايا المناعيّة، يحدث أحيانًا أن تخرج هذه الاستجابات عن السيطرة وتتحوّل الاستجابات المبالغ فيها إلى مرض بحدّ ذاته (لا تهمّنا هذه التّفصيلة الآن).
الاستجابة الالتهابيّة بدورها عملية معقّدة تشارك فيها أنواع مختلفة من الخلايا البيضاء لكلّ منها دورها وتفرز خلالها العديد من الوسائط الكيميائية من بينها [البروستاغلوندينات] والتّي لها دوران أساسيّان: توسعة الأوعية الدّموية لتسهيل تدفق الدّم ونفوذيته في المنطقة الملتهبة وبالتّالي زيادة عدد الخلايا البيضاء وبقيّة الوسائط الالتهابيّة اللّازمة، أما الدور الثّاني فهو تحفيز مستقبلات الألم (للفت انتباه الدماغ بأن العضو بحاجة للعناية).
مذا يفعل الجسم لتخفيف الاحساس بالألم؟
فوق الكلية مباشرة توجد غدة صغيرة الحجم نسبيّا تسمّى بالغدّة الكظريّة تفرز مجموعة من الهورمونات الأساسيّة لتوازن الجسم، من بينها هورمون الكورتيزول؛ للكورتيزول أدوار وخصائص عدّة منها [مفعوله المضاد للالتهاب] إذ يعمل الكورتيزول على كبح إفراز البروستاغلوندينات متسبّبا في تثبيط الاستجابة الالتهابيّة وبالتالي في تخفيف الألم.
إفراز الكورتيزول يكون على شكل منحنى يتكرّر كلّ 24 ساعة
كما في الصورة المرفقة التّي توضّح تغيّرات نسبة الكورتيزول في الدّم حسب ساعات اليوم، يمكننا أن نلاحظ أنّ ذروة إفرازه تكون في سّاعات الصّباح الأولى ثم تبدأ بالانخاض تديجيّا وتبلغ الحضيض في المنتصف الثّاني من اللّيل وهذا هو السبب البسيط للاستيقاظ ليلًا مع آلام الضّرس المبرّحة إذا لا كورتيزولَ يكبح الاستجابة الالتهابيّة.
ملاحظة: لا يجب الخلط بين الكورتيزول والكورتيزون، حيث أن الثّاني مادة صيدلانيّة مشتقة من الكورتيزول الطبيعيّ ولها نفس خصائصه وتوصف إلى جانب مضادات الالتهاب غير الستيرويديّة كمسكّّنات للآلام الالتهابيّة. مع التنبيه إلى أنّ الأدوية السّابقة لا يجب أن تؤخذ بدون استشارة طبيب إذ أن تثبيط الاستجابة الالتهابية في وجود بكتيريا أو فيروس قد يؤدّي إلى انتشاره والتسبّب مضاعفات خطيرة.