هل أصبح العالم تافها؟

هل أصبح العالم تافها؟

اهتمامات سطحية، وفكر غريب عنا وعن معتقداتنا وأعرافنا بات يهيمن على العقول ويلج أذانا صمت عن كل خطب طيب وحسن، وصارت لا تسمع إلا كل ما تنأى عنه كل نفس عزيزة وفكر سوي، هل هذا هو الانفتاح والتحضر حقا، هل هي مقاييس العصرنة والتقدم التي تفك كل قيد وتجعل كل محظور مباح؟

فليس غريبا عن من يدعون للتكشف وعدم ستر أجسادهم أن يكونوا عبيدا لشهواتهم ونزواتهم في عالم ضل السبيل ولا يجد شرعة صحيحة تضبطه، ولكن الغريب والمحزن في آن واحد هو أن تصل لهذا الوضع خير أمة أخرجت للناس.

عيش الوهم داخل شاشة الهاتف وغيرها من الشاشات وما تعرضه من أعاجيب بتقنيات متطورة تحمل معها غزوا ثقافيا وفكريا وتتوغل إلى أعماق المجتمع حتى يبدأ هوس العروض الغنائية والسنما وكرة القدم وغيرها من الملهيات، ويسعي البعض لجعل أشخاص لا وزن لهم أعلاما ترفع ونجوما يقتدى بها ليعلو التصفيق والتهليل لصور جامدة تعرض بضاعة في مزاد علني ببورصة المشاهير.

صارت التفاهة في كل مكان، ومن لم يقصدها فهي تصل إليه، خاصة مع ظهور الوسائط الاجتماعية، فهل من المعقول أن يتصدر الترند قضية فستان ممثلة أو تسديدة لاعب كرة، على أي أساس يعتمد الاختيار واعتلاء قوائم البحث، أم أنه انهيار مقومات العقل والفكر واستبدالها بأفكار سطحية وجدل عقيم.
سادت ثقافة البلاهة الممنهجة، وصارت المعارف محدودة بعيدا عن المنطق، فكيف ببعض الفاشلين العابثين أن يصيروا قدوة ويقدموا أنفسهم على أنهم عناصر فاعلة، ويطرحوا أفكارا عبثية، ويثيرون اهتمام العامة، ويصيرون مرجعية، فمن المؤسف أن يدفع الآباء أبناءهم للعب كرة القدم أو احتراف التمثيل والغناء تيمنا بأحدهم وطلبا للشهرة والمال.

صفحات فيسبوكية وقنوات يوتيوب وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي تنشر وتصور أشياء غريبة وحتى مخالفة كدعوة صريحة للانحدار الأخلاقي، أحدهم ينقل تفاصيل حياته الشخصية وبحماقة، وآخرون يقومون بتحديات جنونية وهكذا كل ما لا يخطر على بال يعرض من أجل التفاعل أكثر.  

إكرام لمعيدعاية كبيرة لشعارات واهية وقضايا مغلوطة تضمن استمرار الفشل في المجتمع، وتغيير طبيعة النجاحات والمنجزات، من جهة تتم الإشادة بدور عناصر  تدعي النجومية والتأثير، نعم هو تأثير موجود لكنه في قائمة السلبيات بلا ريب.

من الجيد معرفة دور الإنسان في تشيد صروح الإنسانية جمعاء دون البحث إن كانت الإنسانية ذكرا أم أنثى، مع أداء الواجبات وضمان الحقوق، بعيدا عن إثارة مشاكل وهمية، وجعلها قضية اجتماعية وعقدة سياسية تحل بنثر بعض الحروف على ورق وتثمينها بختم رسمي أو توقيع هيئة عالمية عجزت حتى عن تضميد جرح طفل سلبته الحرب كل أحلامه وجردته من أبسط حقوقه ولم يعد يجد صحن أرز يسكت جوعه، وهو اليتم قبل الفطام والعالم منشغل بالتفهات ولا وقت لآلام ومآسي ضحايا السياسات الفاشلة وتحالفات القسوة والظلم.

جعل الاهتمامات تافهة هو معول قائم لهدم قيم أكثر المجتمعات محافظة، وتقديم محقرات الأمور على أهمها انتحار حماعي، لا سيما بمحاربة أي دعوة للإصلاح، حتى المنابر الحرة أغلقت وتركت المجال مفتوحا لكل فاسد ضال، وعليه لا يجب أن يتوانى كل من يستطيع إحداث التغيير وتوقيف هذه الحملات والدعايات الباطلة بعدما تمادت في شل العقول وسحر العيون بالماديات والإغراء، ومن واجب المسلم أن يذكر نفسه وينصح لأخيه ويرشده إذا ضل ويذكره بين الحين والآخر، ومن يدري فلعل الذكرى تنفع قلوبا علاها صدأ الغفلة.

يجب نشر الوعي ومحاربة ظاهرة التفاهة المتفشية في جميع أنحاء العالم، وإلا ستتحول إلى طوفان يبتلع الجميع، فإن انتشرت عدوى التفاهة حتما سيتساوى العالم والجاهل، ومن الجهل ما قتل.

483 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *