لا تنس أن تروي لنفسك حكاية يستعصي عليك نسيانها إن آمنت بها، ستظل تذكرها في جنح الظلام وبين خفايا الزمان وأبعاد المكان لينسكب الدمع خجلا وجلا على نفس وما فرطت في جنب الله، فتنهمر شآبيب الرحمة مسندة روحا تلهج بذكر الخالق لترتوي بعد ظمئ الغفلة والتيه في الخلوات.
ستنفعك الحكاية في مقاومة لحظات الضعف ومواجهة الإحباط واليأس، لتريك جليا نِعما لا تحصى وهبات شتى تحفظ بالشكر والامتنان لذي المنة، قد تعقبها شدائد وهموم، ومتاعب كبيرة ستهون بمعرفة معنى الابتلاء وتصنيفه بين الصبر والرضى، إلى حين يحمل الجسد معه ندوب الحياة الصعبة، ويلفه التراب بلا هون ليعيد للذاكرة أنه لا الغنى ولا الفقر سيغنيان عن السكون والخضوع لميزان العدل ولا معيار يومها للتفاضل إلا التقوى، لن تنفع الورود المنثورة بعطرها ولا الشموع المشتعلة بنورها، ولا الأضرحة المشيدة برخامها في رفع درجة السمو والفخامة، فالكل سواسية عند محطة الرحيل الأخير، لكن المراكب تختلف باختلاف الأمتعة.
بين من يهوي ويرتقي مسافة تتجاوز الأرض والسماء، ووحدهم الفائزون من يحظون بالارتقاء ويستمتعون بعبقه مطمئنين، لأنهم فقهوا معنى الحياة فأرخصوا دماءهم وربح بيعهم، لم يكن موتهم سوى غفوة متوارية للقاء الرفيق الأعلى، لقد عرفوا الخيار الصحيح ومن غير رياء وعلى سجيتهم آثروا ترميم معالم عالم متهاو بالإغراء وزينوه بالالتجاء لتكون صفقة العمر.
الحياة قصيرة مهما امتدت سنوات العمر، يتغير الناس وتتباين مواقفهم، قد يخذلك المقربون بما فيهم الأهل والأصحاب، لكن الله لن يخذلك أبدا ما التجأت إليه صادقا، سيزيل همك، ويفرج كربك، ييسر عسرك، ويشفي جرحك، وكلما اقتربت منه اقترب منك أكثر، وهكذا سينشرح قلبك نقيا تقيا، وتسمو روحك الضعيفة بيقين لتقوى شيئا فشيئا في مدارج الإحسان والرضى.
ما لم تفارق الروح الجسد فالفرصة قائمة، لا تحزن ولاتقنط.. لا تيأس، فهناك دائما باب سيفتح بالطرق عليه، فلا تخجل من طرق باب الدعاء لتفتح باقي الأبواب، لا تتوان عن الإلحاح، فما ظن العبد الضعيف بالرب الكريم إذ يقول جل وعلا في كتابه العزيز: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”(سورة البقرة/ الآية: 186).
إن لم تجالس نفسك بعد ولم ترو لها ما يجب أنت يروى فعليك التعجيل حتى يتسنى لك إدراك طول المسار وقانون المسافة المواتي لما بين الأرض والسماء فبادِر قبل أن تُبادَر ولات حينها مناص.