الحياة بعد الموت

الحياة بعد الموت

تقديم

ما تم نقله عن عالم الموتى وما يتعلق بالأحوال داخل القبر والثواب والعذاب من الأمور الغيبية التي أخبر بها الله عباده عن طريق الوحي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتم حفظه في القرآن الكريم والسنة الشريفة، لذا وجب الإيمان والتصديق الجازم بها من غير إنكار، ودون زيادة أو نقصان بعيدا عن أقوال الفلاسفة وفرضيات الملاحدة وغيرها من الأقاويل الباطلة.

مصيبة الموت

الموت في حد ذاته مصيبة فقد قال تعالى في محكم كتابة العزيز:” إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت” [سورة المائدة/ من الآية 106].

لكنه عز وجل كشف الكرب وأوجد ما يمكنه تخفيف هذه المصيبة وذهاب همها، فقال جل وعلا :”وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” [البقرة:155-157].

وجاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله عز وجل لملائكته: “أقبضتم ولد عبدي؟” فيقولون: نعم؛ فيقول وهو أعلم: “أقبضتم ثمرة فؤاده؟” فيقولون: نعم. فيقول:”ماذا قال عبدي؟” فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: “ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد”.

[ أخرجه أحمد في المسند (4/415)، وأخرجه الترمذي في كتاب الجنائز: باب فضل المصيبة إذا احتسب (3/332برقم: 1021) وقال هذا حديث حسن غريب، والبغوي في شرح السنة(5/456برقم: 1549)، وقال الحافظ: الحديث حسن]. 

وعليه فالموت حق يقابله الرضى بحكم الله وعدله، ولو أن العبد يسأله دوما من فضله وأن يعامله به في كل الأحوال خاصة يوم خروج الروح ورحيلها عن الدنيا.

مفارقة الروح للجسد

بعدما تفارق الروح الجسد حال الموت إلى أين تذهب؟، ما مصيرها؟ هل ستفنى أم أنها ستخلد، هل تعود مجددا للجسد؟ أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن وجوابها من مصدر موثوق لا ينطق عن الهوى.

عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: ” خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: “اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ”- مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا – ثُمَّ قَالَ:”إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ – عَلَيْهِ السَّلَام – حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ”، قَالَ: “فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ”، قَالَ:”فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ – يَعْنِي بِهَا – عَلَى مَلَأٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى…” هذا هو حال خروج روح العبد المؤمن.

أما العبد الكافر فيكون أمره كما جاء في بقية الحديث حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :“وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ”،ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَـمِّ الْخِيَاطِ ﴾، فَيَقُولُ: اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا”،ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ..”

بعدما تم استقبال الروح وتجهيزها تعاد إلى القبر فماذا ستجده وتلاقيه هناك؟

ماذا يحدث داخل القبر؟

عندما تعاد الروح إلى القبر ستلاقي الجسد في انتظارها، وتواجه حقيقة السؤال، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-: ” إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ – صلى الله عليه وسلم-، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين، فيفتح له باب إلى النار، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من سمومها وعذابها، ويقال: هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده من الجنة، ويقال له: هذا مكانك لو هداك الله”، وبذلك يعلم أن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار.

الحياة البرزخية

البَرْزَخ جمع بَرَازِخٌ، وهو الحاجز والمانع بين شيئيْن، أما اصطلاحا فهو الفاصل ما بين الموت والبعْث (يوم القيامة)، وكل من مات فقد دخل البرزخ.

والأرواح في البرزخ تكون مرتاحة أو مضطربة، لأنها تعلم مصيرها يوم الحساب حسب ما قدمته من أعمال في الدنيا، فالمؤمنون في البرزخ كما يصفهم الخالق جل وعلا بقوله: “ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون” [سورة آل عمران/ الآية: 170].

وأما الكفار الجاحدين فمصيرهم معروف في قوله تعالى: “وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم” [سورة الوقعة/ الآية: 92].

وقد وردت عدة أحاديث تبين مكان روح المؤمن منها النبي – عليه الصلاة والسلام-: “إن روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة يأكل من ثمارها”.

ويقول أيضا : “إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الجنة أو النار بالغداة والعشي”.

وقد رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الأرواح ومنازلها في البرزخ ليلة الإسراء وبشر به وبين أحوال كثير من الموتى وما نالهم بما قدموا في دار الدنيا.

لا عودة للدنيا بعد الموت

كثير من الناس يدعون أنهم ماتوا وعادوا للحياة، وبعضهم يروي مغامرات خارقةّ، ومشيه على أرضية دافئة ورؤيته للأضواء، ثم ملاقاته لموتى سبقوه من أهله أو معارفه، وهذا لا يعدوا أن يكون مجرد تهيؤات أو هلوسة وأوهام أو أحلام أو حتى محض اختلاق.

الناس لا يرجعون إلى دار الدنيا بعد موتهم، ومن يؤكدون أنهم عائدون من رحلة الموت إنما هو مجرد انقطاع مؤقت عن الحياة بتوقف الأعضاء، أو موت سريري، ولو كان من يموت فعليا وترحل روحه لعالم البرزخ يمكنه أن يعود لكان أخبرنا بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- وهذا ما لم يرد به دليل.

وما جاء في القرآن عن بشر أماتهم الله تعالى وأعادهم مثل قصة أصحاب الكهف وسيدنا عزيز -عليه السلام- إنما هو من باب المعجزة التي لا تكون لعامة الناس وعهد المعجزات قد ولى.

ولو كان ذلك ممكنا لخص به الصحابة – رضوان الله عليهم- فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما – قَال:” لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي ( أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ )” رواه الترمذي وحسّنه (3010) وابن ماجة (190).

وهذا دليل واضح على أنه لا يمكن للميت الرجوع إلى الحياة والعيش مجددا، فبلا شك أن الموت هو الرحيل الأخير الذي ما بعده عودة إلى دار الدنيا، فلينظر المرء ما قدمت يداه وليغتنم الفرصة قبل ضياعها في صالح عمل يلقاه.

388 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *