لا تقرأ…

لا تقرأ…

عليك أن تفكر كثيرا قبل أن تقرأ، وإن قرأت عليك أن تفكر في ما تقرأ، وإلا توقف ولا تقرأ ما قد تعجز عن فهمه ولا تجد له مثيلا في عالم تحكمه الماديات وتخلق فيه وعيا جاهزا وموجها..

لا تقرأ عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه-  الذي يغالبه البكاء كلما ذكر فتح “تستر” وهي مدينة فارسية حصينة حاصرها المسلمون لسنة ونصف، وفتحوها بعد قتال ضار حقق فيه المسلمون نصرا مبينا بعد شروق الشمس وفَوَّتوا صلاة الفجر لانشغالهم بالمعركة، فكان أنس رضي الله عنه وأرضاه يقول:” وما تستر؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعا بهذه الصلاة”…
فكم من صلاة فجر فُوِّتَت ولم يُلْقَى لها بالا، وكم من نداء علا مع نفس الصبح الصامت مرددا “الصلاة خير من النوم” فكان الرد بتفضيل النوم، فأي وجه شبه بين ما مضى وكان وما جَدَّ في هذا الزمان الذي تُرفع فيه الأيادي طلبا لنصر وعزة مثل نصر حققه رجال رابطوا لعام ونصف بعزة وما استلذوه لتضيعهم لصلاة واحدة.
لا تقرأ.. عن عدل وورع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهو الخليفة الزاهد من لبس خشن الثياب ولم يفخر بالإمارة وعامل رعيته بعدل وحكمة، ومضى فاتحا مجاهدا في سبيل الله إلى أن دخل بيت المقدس بعزة وإباء.
لا تقرأ.. عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- حينما ملك البساتين والضياع بالطائف، وعاش في رغد ورخاء، يرتدي أغلى الثياب ولا يتعطر إلا بأجود العطور، ويركب أفخم المراكب، وعنده الخدم الكثير، ولما جاءه خبر توليه الخلافة، باع بساتينه، واعتق خدمه لوجه الله، وأودع كل ما يملكه في بيت مال المسلمين، وقال لزوجته فاطمة بنت عبد الملك سليلة الملوك،  إذا أردت أن تكوني معي فبيعي كل مجوهراتك وما تملكين، فباعت كل ما معها وضمّت مالها لبيت المال، ولما وصل إلى دمشق قربوا منه مراكب الخلفاء فقال :”أبعدوها عني”.. وركب حماره إلى دار الخلافة، حيث ملأ الدنيا عدلا وأمنا ورد كل المظالم وجعل من المسلمين مضربا للمثل في التقدم والرقي.

لا تقرأ.. في تاريخنا عن السلف الأخيار، لا تقرأ ما سيجعلك تنتحب على حال الأمة اليوم، أمة غدت لا تفقه شيئا من مواقف العظماء وحياة الشرفاء الأتقياء الأنقياء.

لا تقرأ.. ما من شأنه أن يكشف حقيقية الصغار إلى درجة المجهرية أمام كبار بتواضعهم وورعهم وصدقهم الضائع اليوم بين الألقاب وراء المكاتب وأختام المناصب.
لا تقرأ.. لأن مثل هذه الأخبار صارت لا ترقى إلى تطلعات جماهير تهتم بأخبار الكرة والفن، وتقدم خبر انفصال لاعب كرة عن زوجته على قصف جوي يطال الأبرياء على أرض الشام.
توقف لا تقرأ.. فالقراءة المفيدة لم تعد مطلبا مشروعا لأنها لن تخلو من التوجيه والإرشاد والوعظ، وذم كل قبيح وانحراف وهذا ما يتنافى مع الحريات الشخصية والمناظرات التقدمية والتنظيرات العلمانية.

لا تقرأ.. لأن ضميرك قد يصحو وعقلك سيفكر، وهذا ما لا يريده من جلسوا على الكراسي جبرا، باعوا الذمم فخرا، ملؤوا الأوطان جورا، والوا الغرب غدرا، سجنوا الأحرار قهرا، وجعلوا الحرية عهرا..

525 مشاهدة