كان الله في عون المعلم العربي

كان الله في عون المعلم العربي

هل باتت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي هي الملاذ الوحيد لرفع شكاوى لانصاف المعلم العربي، هل صار التساؤل وحده يكفي لترجمة حاله؟، هل تم التضييق عليه وتغييبه حتى يبقى باحثا عن رقعة تحويه بأمن وأمان ليعيش بكرامة؟.

الأزمات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية أسباب مباشرة لمعاناة المعلم في الوطن العربي، فأغلب طبقات المجتمع تشتكي غلاء الأسعار، تراجع القدرة الشرائية وضعف الدخل، في ظل تدني المستوى المعيشي، ضيق السكن أو عدم موافقته لشروط المأوى الصحي، وكذا غياب المرافق العامة والخدمات المقدمة في القطاعات العمومية تظل هزيلة، تتأرجح بين المحسوبية واللامبالاة، وبالمقابل ينال المعلم اللوم والتوبيخ إن هو طالب برفع الغبن عنه أو قال أريد الكرامة هي مطلب وحق شرعي لمن أفنى عمره في تعليم الأجيال.

معلمون كثر فضلوا مفارقة الناس، البعض اعتزل الدنيا وما فيها ودخل عالم الوساوس والانهيارات العصبية، والبعض الآخر فضل تقديم دروس خصوصية توفر له وتغنيه عن ذل السؤال ولو بطرق غير مشروعة، ومجموعة دخلت العالم الافتراضي وصارت ترى في الفايسبوك وغيره من المواقع وطنا لها تعبر فيه كما شاءت وتأخذ منه ما تصدقه بل وتؤمن به، وبين المغالطات والأخبار المزيفة تضيع فرص التوحد المهدورة والوقوف في وجه الفساد وتفادي الانهيار.

هضم حقوق المعلم وإهانته خطة مدروسة لهدم كيان المجتمع الذي يشهد إنحدارا أخلاقيا مخيفا ولا يمكن تجاوزه، ومهما كانت الأسباب يجب تداركها لأنها قد تقطع ما تبقى من أواصر بين الأجيال ومعلميها، وتعتم الرؤى المستقبلية بمقاطعة الحاضر.

تعددت المفاهيم والحقيقة واحدة أن التخلف نال نصيبا في كل القطاعات، المجتمع صار استهلاكيا ولم يبن اقتصادا قويا، ومن يجرؤ على الرفض عليه تحمل تبعات تمرده و أولها الفصل من العمل، في زمن نضييق العيش على العامة مع أزمة كورونا وتداعياتها، فوجب على الجميع نصرة المعلم فحالهم من حاله، ومصابه من مصابهم، لكنه الوعي الذي غاب عن الأذهان وجعل الضحية آثما مدان.

حسنات المعلم الذي عمل دوما بجد وأمانة كثيرة ولا يشهد عنه إلا العطاء والإتقان، إنه الكفؤ الذي يستحق التقدير والاحترام بتكوينه لأجيال متتالية كان لزاما عليها نصرته اعترافا بالحق ردا للجميل.

مقولة بائدة تزعم أن قطاع التربية والتعليم غير منتج لأنه لا يقدم سلعة مادية، كيف يمكن تصديق ذلك وهو منشأ القطاعات الأخرى، فالكل يبدأ تلميذا ليصل إلى مرتبة أعلى ولولا الأساس لما استقام البناء، ولكن البعض تنكر لمن أمده يد العون حينما كان لا يفقه شيئا وجاء ليتفاخر على من علمه ليصنف هؤلاء المعلمون المربون في ذيل القائمة وهم من كون رأسها بنشئة سوية وعلم نافع.

إن الإطارات المجدة التي وصلت اليوم لمراتب عليا ونجحت فعليا لا يمكنها أن تتجاهل من ساعدها وعلمها الكثير أما من يتشدق بمستواه العالي وحصوله على منصب وزاري أو غدا مسؤولا مرموقا، ويرى نفسه أحق بمكانة أعلى من معلمه فلابد أنه من غير مستوى أخلاقي فضلا عن العلمي، ولا ينظر لراتبه الذي تعدى راتب المعلم بعشرات الأضعاف، فبأي وجه حق يضرب المعلم ويهان إذ ما طالب بحقه ورد اعتباره وهو الذي تبوأ منزلة عالية، وفضلا لا ينكره إلا جاحد.

يطالبون المعلم بالصبر والعقلانية، ويشهرون في وجهه بطاقة الوطنية وتقديم المصلحة العامة، وكأنه يعيش في كوكب آخر ويقتات من الطباشير ولا يعنيه الواقع الاقتصادي المزري، وهو الذي كثيرا ما ينتظر الراتب بشغف كي يتمكن من تسديد ديون ذهبت لاقتناء مواد غذائية ضرورية لأسرته يرتفع ثمنها من شهر لآخر.

صدقا كان الله في عون المعلم وكل مواطن عربي لأن الوضع اليوم لا سبيل له إلا مثيلة لـسفينة سيدنا نوح عليه السلام، فالتخويف من الطوفان لن يمنع حدوثه ومن الحكمة تقدير موضع الخطو قبل فوات الأوان.

342 مشاهدة