محاولة صحفية

محاولة صحفية

حدث ذات مرة أن كنا ندرس بالسنة الثانية بكلوريا، وفاجأنا الأستاذ بنبإ أنه ستزورنا لجنة صحافية، وسيكون الحضور ثلاثة من كل قسم، هؤلاء كانو آنذاك هم النخبة، كما أوصانا بالبحث عن مجال الصحافة والتزود بالمعلومات اللازمة بغية أن نحاورهما حوارا يكون معززا بالأمثلة والشواهد وكذلك إعداد بعض الأسئلة من أجل المناقشة..

ذهبنا تلك الليلة نبحث هنا وهناك، خمنت في صديقتي عائشة ؛ هي زميلة لي منذ السنة الثانية إعدادي، قريبة المسكن، تقطن قبالة بقال كنت قد ذهبت عنده لجلب بعض حاجيات المنزل.. (درهم دقيق ناعم، نصف لتر حليب سليم، قالب من سكر النمر)، اقتنيت هذه الأغراض والتقيت بصديقتي عائشة وقلت في نفسي (من جميل الصدف أن أقتني الأغراض والأسئلة في آن واحد،حَجٌّ وحَاجَةٌ)، لكنها لم تعرف شيئا رغم أن عمتها صحفية، ولها احتكاك بالمجال الصحفي..

فنادت على ابنة عمها شيماء، وهي أيضا أصبحت زميلة لي هن طريق عائشة، حيث كنا نجتمع ثلاثتنا ليلة عاشوراء ونجوب رفوف دربنا بالإيقاع المنبعث من أناملنا.. وعندها وجدت ضالتي، زودتني بسؤال وأنا خمنت في البقية.

ذهبت للمنزل لأعد الحساء وأنا شاردة الذهن أفكر… كيف يمكنني أن أقدم أسئلتي؟، بم أبدأ؟، ومالسؤال الجهوري الذي سأطرحه للصحفي؟.

بعد اكتمال نضج الحساء ومعه اكتملت الأسئلة النظرية الوهمية، أسرعت لدفتر البحث وقمت بتدوين موضوع كان كالتالي:

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، باسم تلاميذ ثانوية ابن الهيثم، نرحب بكم، ونشكركم على حضوركم، لدي بعض الأسئلة لو تكرمتم بالإجابة عليها:

_ماعلاقة الصحافة بالاقتصاد؟ ، وكيف ساهمت في تطوير المجال الإقتصادي؟، ومانتائج هذه الأخيرة على المجالين البشري والاقتصادي؟.

وفي الصباح عندما التقين قبيل الدخول للمدرسة، كان لنا الفضول لنسألن عن بعضنا البعض وعن ما بحثن، زميلتي سكينة قالت أنها قد وجدت مقالا حول المحامين وكيف سيصبحون مجانين، وطرحت في نهايته بعض الأسئلة، أما زميلتي أميمة فاكتفت بتعريف الصحافة.

أنا أيضا قرأت لهما أسئلتي، لكن عندما وصل موعد الحضور، وعند ولوجنا لقاعة الأنشطة، وجدنا حضورا كثيرا؛ الجذوع العلمية، والأوليات والثانيات العلمية والأدبية، ولأنهم النخبة؛ كانوا يجلسون بطريقة منتظمة، وعيونهم متعطشة لمعرفة هذا المجال الذي كان من مبادرة أستاذ اللغة العربية.

كان المدير والحارس العام والناظر ومساعده يقفون بجانب الباب، ينتظرون وصول الصحفيين، وفجأة دخل الصحفيَّانِ الشابان ورأسهيما مبتلان بقطرات الندى، كون الجو رطبا، ليشير لنا السيد المدير بالوقوف؛ تحية إجلال واحترام لهذين الشخصيتين.

لبينا رغبة السيد المدير، ثم جلسنا في أماكننا وعيوننا مثبتة لمعرفة علامات معطفيهما وهواتفيهما النقالة اللذين وضعاهما أمام المكتب، ليبدأ الأستاذ بإلقاء كلمة شكر وتقدير لتلبية طلبه وحضورهما…

وقد حذرنا الأستاذ أن نأخذ الإذن ثم نتكلم، وكذلك بأن نلتزم الصمت وأن نصغي لما يقولانه، وعلينا أن ندون تقريرا لما جاء في هذه الندوة شبه صحفية، فالكل تجد أمامه ورقة وقلم، وبعدما تكلم الأستاذ، أخذ الصحفيان يتكلمان عن مجال الصحافة وعن العمل فيها وعن الكواليس التي يمرون منها، تحدثا بإسهاب عن إيجابياتها وسلبياتها، نظرنا نحن الثلاثة نظرة تساؤل، وبأن الأسئلة والمعلومات التي جمعناها قيمتها صفر أمام ما يقولانه،ثم ابتسمنا والتزمنا الصمت.

لاحظ الأستاذ ماجرى بيننا ولم ينبس ببنت شفة، سوى أنه أطال النظر فينا ففهمنا مقصوده، وبعد انهاء الصحفيان الكلام، استقرا على قرار انهما سيسجلان الأسماء التي ستشارك في العمل الصحفي، لكن سيختارها أحد الصحفيين لأنه لا يعرفنا وبالتالي هو سيتعامل مع الإسم فقط وليس صاحبه، فوقع اختيار صديقتي أميمة هي الأولى ثم اسمي، وبقينا ننتظر اسم سكينة لكنه لم يناديها به، ذهبنا للخلف معه لإعداد نشرة صحفية، فأقمنا أيضا قرعة حول من يقدمها، فوقع الاختيار على اسم صديقتي أميمة، وتقديم النشرة الاقتصادية على اسم زينب زميلة في السنة الثانية باكلوريا علمية، ونشرة الرياضة من تقديم خالد تلميذ في قسم آخر من الجذع المشترك العلمي، والنشرة الجوية كانت من تقديمي، وباقي النشرات على لسان تلاميذ من مستويات مختلفة..

كان موضوعي حول كمية الأمطار في جهة من اختياري، وهو:” عرفت جهة الغرب الشراردة بني حسن، كميات مهمة من التساقطات المطرية، حيث تقدر بـ 88 ملمتر، وقد استبشر الفلاحون بمستقبل موسمي فلاحي زاخر، وهذه الجهة معروفة بالمزروعات البورية، من قبيل القمح..الشعير..الخرطال..،أمطار عنفوانية، وزخات مطرية رعدية، مصحوبة ببرد، أدت إلى انقطاع الكهرباء والذي يعد الركيزة الأساسية للساكنة، وأن أطفال البوادي لهذه الجهة عانوا من الموجات البردية العصيبة التي تصاحبها أحيانا أجريحة”.

ولنعد عند أميمة، وبعد اكتمال كتابة النصوص الصحفية لمختلف النشرات، قمنا بالتدرب على القراءة، ونصحنا الصحفي عمر، بأن نقف عند كل فاصلة على حرف ساكن.

لننتقل بعدها جميعا إلى المكتب، ووقفنا بانتظام جانبه، في حين أن زميلتي أميمة جلست في المكتب، لأنها هي مقدمة نشرة الأخبار، وبقينا نقرأ نصوصنا بتتابع وبانتظام.

وعند الانتهاء ابتسم السيد المدير وتنبأ لنا بمستقبل واعد في الكتابة الأدبية، وفي الإلقاء وفصاحة اللسان، وشكر الجميع على الحضور وعلى المشاركة، ثم انصرف الجميع للخروج، بينما الضيوف وأعضاء الإدارة ذهبوا لشرب العصير وأكل الحلويات في مكتب السيد الحارس العام..

427 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *