الغزو الفكري والثقافي لوسائل الإعلام

الغزو الفكري والثقافي لوسائل الإعلام

تقديم

صار لما يعرض على الشاشات تأثيرا مباشرا على الرأي العام، حتى التغيير الذي تناشده المجتمعات بات بمقياس ما يفرضه أبطال المسلسلات والأفلام ومشاهير الكرة من مقايسس النجاح، وما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي يؤكد وجود شرخ رهيب بين المادة الفكرية والمتلقي الذي يوجه لتتبع الأحداث ومواصلة عرضها، وتحليلها ومناقشتها حتى بعد انتهاء العرض، وكأن هم الأمة العربية والإسلامية التي تتعرض للقصف الإعلامي والغزو الثقافي بتذكية نار الفتن وإبادة القيم ومحاولة تشويه دين السلام، وتصويره على أنه يحد من الحريات بمنعه للعلاقات المشبوهة وتحريمه للزنا ووضعه ضوابط للاختلاط في حين أن كل هذا مباح ويبث على الهواء ليغذي القلوب الفارغة والنفوس الضعيفة وهما ووهنا تحت ذريعة الترفيه والتسلية والتنفيس بعيدا عن ضغوطات الحياة.

ما يريده الجمهور

أعط للجمهور ما يريد ” هذا ما يعتمده القائمون على تسويق الأوهام للمشاهدين، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل صار الجمهور يريد كل ما هو منحط ومنحل ،ومخالف للدين والعرف ليظهر ذلك جليا في مستوى الانحدار الأخلافي في المجتمع؟.

إنها اهتمامات لا قيمة لها، تزيد من خطر الأزمات الأخلاقية وتغطي على ما هو أهم من مشاكل اجتماعية واقتصادية خانقة تحتاج إلى عمل جاد، وما يشغل فكر الناس هو تطورات أحداث المسلسل المدبلج أو دراما المسلسل العربي وحبكة قصة الفيلم الذي حاز على جوائز الأوسكار.

غيبت حقيقة وجود البشر وهامت الشعوب بالقصص والسيناريوهات وباتت مجرد دمى في مسرح الفرجة، وليحفظ الله الشيخ نبيل العوضي الذي أحسن تصوير حال الشعوب العربية في إحدى محاضراته حين قال :”لقد بتنا شعوب مسلسلات وصارت لنا كالدواء، حبة في الصباح، حبة بعد الظهر حبة بعد العصر ، حبة قبيل المغرب وبعده ،وحبة للسهر …” ،وفعليا من يأخذ كل هذه الكبسات ليكبس على أي شيء قيم سيشغله.

مواقع التواصل الاجتماعي والعرض المفتوح

بما أن العقول قصرت عن فهم حقيقة وجودها وتساوت المستويات، فلم تعد نوعية البرامج موجهة لفئة معينة لأنها تستهدف الصغير والكبير الرجل والمرأة العامل والبطال، في كل مكان العرض متوفر في المدارس في المستشفيات في المصالح الإدارية أو حتى في وسائل النقل نستقل وسيلة نقل، ومن لم يرد المشاهدة والتفاعل فسيرى أو يسمع رغما عنه، وتصله تطورات أحداث فيلم أو مسلسل أو مهرجان وغيرها من خرافات الخيال الجامح.

البعض يصور خصوصيات الناس، والبعض الآخر يبث فيديوهات مباشرة أو ما يعرف باللايف ولا يراعي من حوله، المهم التفاعل الكبير وتحقيق المشاهدات والاعجابات ولو بنشر كل مخالف قبيح زعما أن ذلك صناعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي

تغيرات أسرية

البيوت مجهزة بوسائل تكنولوجية حديثة منها التلفاز بالنظام الرقمي، الحواسيب المكتبية والشخصية، ولكل فرد لوح رقمي أو هاتف ذكي، لكنها لا تستغل في الفائدة والإفادة، لأنها صارت مصدر تضييع للوقت ومضيعة للأخلاق والقيم، ساعات من الزمن تمر على قنوات التواصل الاجتماعي لتلقي كل شيء، تبادل نكات وصور، نشر خصوصيات، مشاهدة المسلسلات العاطفية بكل أنواعها مصرية سورية لبنانية، تركية مكسيكية وحتى الصيينة والكورية، عرض فيديوهات إباحية ومن قناة لأخرى تمضي الأيام، وتهمل الواجبات وتضيع فرص حقيقية للنجاح والتميز.

غياب الوعي وتراجع القوامة، واللامبالاة، رغم أن كل راع عليه مسؤولية توجيه من يرعاه لا فتح سبل الضلال وتضييع الحقوق، ومن الخطر وضع مواد خطيرة في يد من لا يحسن استعمالها، فلا تحصيل علمي معرفي ولا تحصيل تربوي قد يظهران أمام حجم الدمار الأخلاقي المشهود.

وتضيع المبادئ والقيم

الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة التلفاز، وعلى نوعية من البرامج التي تعمل على مخاطبة الغرائز ومحاربة القيم، فلا غرابة في أن يتحول الشباب إلى نسخ متماثلة، طريقة المشي واحدة والكلام متماثل، ولباس موحد بكل ما هو كاشف واصف وممزق.

هذا هو واقع أناس دخلوا دنيا الوهم وغدا كل ما يشغل أحاديثهم وفكرهم فقاعات ملونة، فمن أين لهم بإعادة الأرواح الحية لعقولهم المخدرة بمادة تعمل على تعطيل الضمائر وإضعاف النفوس ومن ثمة إسقام المجتمع ككل لصرفه عن قضاياه الجادة.

وسائل عديدة ومتعددة تدعو صراحة للضلال والمجون، وتدعم الانحلال الأخلاقي وهناك من يصفق ويهلل وكأن الأمر طبيعي بل ذاك هو التفوق والتألق.

الغزو الفكري والثقافي لوسائل الإعلام 1

490 مشاهدة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *