“منسا موسى” الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية

“منسا موسى” الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية

ستكون رحلتنا اليوم إلى قارة أفريقيا تلك القارة الشاسعة الغنية بالثروات والمتعددة الثقافات والاجناس، بعيدا عن الحروب والمجاعات والأمراض، سنعود لحقبة زمنية ذهبية للقارة السمراء حين كان الأفارقة أسياد أرضهم وملاك ثرواتهم.

سنحط رحالنا اليوم في دولة مالي حيث ولد الملك موسى الأول عام 1280م، والذي ترجع أصوله إلى الملك سوندياتا كيتا مؤسس مملكة مالي، في حين موسى هو حفيد أبو بكر أخ الملك سوندياتا كيتا حسب مراجع ابن خلدون.

أكثر اسم اشتهر به هو مانسا أو منسا موسى ولقب مانسا مثل لقب الملك، وقد كان موسى هو المانسا العاشر لمملكة مالي مابين (1312و1337)م، ورغم غياب المصادر الموثقة عن مانسا موسى وتاريخ مالي إلا أن أغلب المعلومات عنه كانت من مشاهير الرحالة، منهم ابن خلدون، ابن بطوطة، المقريزي، اليافعي..ألخ.

كان موسى شابا حكيما وقد استطاع أن يؤسس علاقات دبلوماسية مع المملكة المرينية والزيانية بتلمسان في الجزائر بل حتى مع مملكة البرتغال، وبفضل حنكته في الحكم استطاع أن يجعل فترة حكمه تشهد الرخاء والرفاه ويصير عهده عصر مالي الذهبي، لاسيما أنه فتح الاسواق وشجع التجارة وبنى المدن والمساجد وأضحت البلاد من أغنى الدول في إفريقيا.

ومما ساعده في ذلك وجود الثروات الطبيعية والموارد خاصة معدن الذهب وكذلك العاج، والتوابل وكل هذه المواد والخامات قيمة وباهضة الثمن، وتجارتها تدر أرباحا طائلة على المملكة، مما انعكس بالإيجاب على حال حاكمها وأصبح أحد أغنى الرجال في العالم على مر التاريخ.

رحلة الحج

&Quot;منسا موسى&Quot; الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 1
"منسا موسى" الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 6

تعد رحلة مانسا موسى إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج إحدى أشهر الرحلات في التاريخ، وهي التي زادت من شهرته كأبرز الأغنياء التاريخين، حيث انطلق في رحلته إلى البقاع المقدسة عام 1324م مع حاشيته، والتي تشير المصادر المتعددة أن تعدادها تراوح بين 15-60 ألف شخص من بينهم 12 ألف من العبيد والخدم.

&Quot;منسا موسى&Quot; الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 2

وقد تكونت القافلة من 80 جملا مخصصا لحمل 50 إلى 300 رطل من الذهب والكثير من المقتنيات الثمينة والأحجار الكريمة، و اشتهر مانسا بجوده وكرمه، فقد كان معطاءً ينفق بسخاء في كل مدينة يحل بها أو يمر بها خلال رحلته، فيوزع الذهب على الجميع كهدايا للأمراء أو الاعيان و التجار، وكهبات وصدقات لعامة الناس والفقراء ممن يقابلهم في طريقه.

وقد ذكر السعدي في مؤلفاته أن مانسا موسى كان يبني مسجدا في كل مدينة أو قرية يصادف مروره بها يوم الجمعة وذلك من ماله الخاص الذي حمله معه في رحلته ..

ومما روي عن رحلة مانسا في القاهرة أنها أهلكت اقتصاد مصر في ذلك الوقت، فقد أغدق مانسا من الذهب على كل من يمر في طريقه فانخفضت قيمة الذهب لمدة عشر سنوات متتالية، كما شهدت أسعار السلع الاستهلاكية تضخما كبيرا وسط أزمة اقتصادية خانقة.

عند وصول مانسا موسى إلى مكة مع حاشيته الكبيرة حدثت فتنة بين الأتراك وأتباعه، حيث أشهرت السيوف ورفعت في المسجد الحرام، فغضب مانسا غضبا شديدا وصرخ فيهم من شباك إقامته حتى توقفوا عن القتال.

واستمر الحاكم السخي في توزيع النقود الذهبية والعطايا في مكة فحصلت أزمة مشابهة لما حدث في مصر.

رحلة العودة

بعد إنهاء أداء مناسك الحج واستعداد الحاكم موسى للعودة إلى مملكته روى المقريزي في كتابه الذهب المسبوك، أن قافلة مانسا تأخرت بالعودة من مكة ولم يعد مع المحمل المصري، فهلك الكثير من رجاله وجماله بسبب البرد ولم يصل إلى القاهرة إلا نحو الثلث منهم.

واجتهد مانسا موسى في حمل كل العلوم والفنون وفن العمارة التي صادفها في طريقه لمملكته، فقد نجح في جمع عدد من العلماء والمعماريين خلال رحلته ومنحهم امتيازات لمرافقته لبلده.

وشرع بتطوير مملكته، كما استغل رحلة حجه في فتح طرق جديدة للتجارة مع العديد من الدول، وتطورت العلاقات التجارية والدبلوماسية مع مصر وشمال أفريقيا بفضل وأصبحت مالي مركزا تجاريا هاما في وسط الصحراء، ومنارة للعلوم الشرعية.

&Quot;منسا موسى&Quot; الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 3
"منسا موسى" الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 7

إذ قام مانسا بتشييد العديد من المساجد والمدارس الإسلامية في مدينة تمبكتو ومدينة جاو، أهمها مدرسة سنكوري، أما في مدينة نياني فأنشأ قاعة محكمة تعلوها قبة ونوافذ مزينة بالفضة والذهب.

وفق مانسا موسى في تغيير معالم مملكته وتوسعيها، وساهم في تطويرها، وضم أراض جديدة امتدت من المحيط الأطلسي إلى الضفة الشرقية من نهر النيجر وغابة تاغزة وسط الصحراء، وبفضل كل هذه المدن التي سيطر عليها أصبح يمتلك نصف الذهب الموجود في العالم القديم، وحقق في تجارة الذهب والملح نجاحا باهرا.

وفاة مانسا موسى

بسبب غياب الأرشيف المكتوب لمملكة مالي، هناك اختلاف بين المؤرخين حول تاريخ وفاته، فمنهم من يقول أن ابنه مقان الأول اعتلى العرش عام 1332م، فوفاة مانسا موسى ربما حدثت في العام نفسه، ومنهم من يقول أنه توفي بعد فترة بسيطة من عودته من الحج عام 1325م.

أما ابن خلدون فيقول أنه كان حيا عند الاستلاء على مدينة تلمسان في الجزائر عام 1337م، حيث أرسل مبعوثا إلى تلمسان لتهنئتهم بالنصر.

ورغم هاذا الإختلاف إلا أن المتفق عليه أن مانسا لعب دورا هاما في التاريخ ليس بثروته التي لم يسبقه لها أحد، بل لمهارته في استغلال هذه الثروة، وتوجيهها لتطوير مملكته لتصبح قبلة للتجارة للعلم والدين والثقافة، فضلا عن أعماله الخيرية بالمساعدات وبناء المساجد وترك الأوقاف .

وبعد وفاته أصدرت اسبانيا مايعرف بالأطلس الكاتالوني، ومن بين ما احتواه هذا الأطلس هو ذكره لشخصية مانسا بشكل واضح وكبير، مع تصويره ممسكا بقطعة من الذهب المشع، مما يبين حجم قوته وإشعاعه المادي والفكري في العالم حتى بعد وفاته -رحمة الله عليه-

&Quot;منسا موسى&Quot; الرجل الذي يُقال أنه الأغنى في تاريخ البشرية 4

أصبح مانسا موسى بعد وفاته رمزا من رموز مالي وأفريقيا، وقد كان في حياته مثالا للمسلم الصالح، وعرف بأخلاقه الحميدة وحبه للخير والصدقة، كما كان محافظا على الصلاة والذكر راغبا في العلم، حسب ما ذكره ابن كثير واليافعي والعمري، وبهاذا تطوى صفحة ذهبية من صفحات تاريخ أفريقيا القديم من زمن رجالات الحضارة الحقيقية بكل المقاييس.

المصدر : صفحة روائع التاريخ على تويتر (بتصرف).

431 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *