ابن حزم الأندلسي

ابن حزم الأندلسي

تقديم

من أبرز علماء الأندلس، عقل لامع ولسان فصيح، بأسلوب بليغ ومؤثِّر، ترك موروثا أدبيا وفكريا قيما يفيض أصالة وذوقا، فمن لم يأنس بطوق الحمامة في الألفة والألاف، وهام في التصوير والوصف الملهم؟، وهذا غيض من فيض قلم ابن حزم، العالم الجليل الذي كان ضليعًا في العلوم، لاسيما القرآن وعلومه، الفقه وأصوله، الحديث وأقسامه، الطب، التاريخ والسياسة، اللغة العربية وآدابها فقد برع في كتابة الشعر والنثر معا.

الحياة الشخصية ابن حزم

ولد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صلاح بن خلف بن معد(1) بن سفيان بن يزيد القرطبي الأندلسي سنة (384 هـ/ 994 م) كان جده يزيد فارسي الأصل ومولى ليزيد بن أبي سفيان بن حرب(2).

كان والده أحمد رجل علم وشاعر، و هو من أعلام قرطبة عين وزيراً في الدولة العامرية، وقد خدم الملك هشام المعتمد بالله وهو الخليفة الثاني عشر والأخير للأمويين بالزهراء، كما عمل عند المنصور محمد بن أبي عامر الملقب، ومن بعده ابنه الملك عبد الله المظفر بالله.

نشأ ابن حزم في نعيم ورخاء ورفاهية وراحة، وتلقى تربيته وتعليمه الأولي وحفظه للقرآن على يد النساء، لهذا عرف بشهادته في كفاءة المرأة وتميزها الفكري وليست مجرد جسد فقط، وقد ذكر ذلك في كتابه طوق الحمامة في الألفة والألاف حيث قال:” “لقد شاهدتُ النساء وعلمتُ من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري؛ لأني رُبيتُ في حجورهن، ونشأتُ بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالستُ الرجال إلا وأنا في حدّ الشباب، وهُنّ علّمنني القرآن، وروّينني كثيرا من الأشعار، ودرّبنني في الخطّ، ولم يكن كدّي وإعمال ذهني مذ أول فهمي، وأنا في سن الطفولة جدا، إلا تعرّف أسبابهن، والبحثُ عن أخبارهنّ، وتحصيل ذلك”.

أنجب ابن حزم البنات والبنين ولكن المصادر تختلف في ذكرهم، فهناك من يرجح أن له ولدين فقط هما: الفضل بن علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الملقب بأبي رافع، ويعقوب بن علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الملقب بأبي أسامة، والبعض يقول ثلاثة فيضيف المصعب المكنى بأبي سليمان المصعب، ومن يقول أربعة يزيد عليهم سعيد.

فقد زوجته وهو دون العشرين، وكانت هي دونه في السن، وعن ذلك كتب: “وعني أخبرك أني أحد من دهى بهذه الفادحة، وتعجلت له هذه المصيبة”.

تعليمه

بدأ ابن حزم دراسته ما بعد سن العشرين، لكن ذلك لم يكن عائقا أمامه، فقد كان ذكيا سريع البديهة، وتتلمذ على يد عدد من العلماء مثل أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد أبو عمر، يونس بن عبد الله بن مغيث أبو الوليد، همام بن أحمد القاضي أبو بكر، محمد بن سعيد بن عمر بن نوبة أبو عبد الله، عبد الله بن ربيعة بن عبد الله عند التميمي أبو محمد وغيرهم.

فأبحر في تخصصات متعددة من العلوم الإسلامية، وصار نابغة في علم الحديث، فنال مكانة عظيمة بين أهل العلم، وقام بتأليف العديد من الكتب، كما درس الطب، وألف فيه عدة كتب، لكنها ضاعت.
كما عكف على التدريس حيث برز من تلامذته الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الحميدي، شريح بن محمد بن شريح بن أحمد أبو الحسين الرعيني الإشبيلي، أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن العربي المعافري.

الأوضاع السياسية وتأثيرها في حياة ابن حزم

في عام 403 هـ، اضطر ابن حزم إلى الفرار من قرطبة، بعد أن تم تدمير منزله وتشريد عائلته بسبب النزاعات السياسية التي والخلافات بين الحكام، فتوجه إلى مدينة ألميريا الساحلية، لكنه لم يلبث أن غادرها، لمواقفه المؤيدة للأمويين، فقصد لذلك ذهب ابن حزم إلى بلنسية في شرق إسبانيا.

تولى وزارة المرتضي في بلنسية، ولما هزم وقع ابن حزم في الأسر وكان ذلك في أواسط سنة 409 هجريه، ثم أطلق سراحه من الأسر، فرجع إلى قرطبة.

ثم ولي الوزارة لعبد الرحمن المستظهر سنة 412 هجرية في شهر رمضان، ولبث فيها حوالي شهرا ونصف، فقد قتل المستظهر في ذي الحجة، وسجن ابن حزم ثم عفي عنه.

وبعدها تولى الوزارة في عهد أبي بكر هشام المعتد بالله لمدة 4 سنين ابتداء من سنة 418 هجرية.

لم يهتم ابن حزم بأمور السياسة وشؤون الحكم، بل وقف معارضا للفقهاء المنتفعين من مناصبهم، لكنهم لم يستسيغوا ذلك وقاموا بتأليب المعتضد بن عباد أمير إشبيلية عليه، فصادر ممتلكاته وأحرق كتبه، وفرض عليه الإقامة في بلدة منت ليشم (مونتيخار) من ناحية ولبة جنوب غرب إسبانيا، وأمر بعزله عن الناس، إلى أن توفي هناك سنة (456 هـ /1064م) -طيب الله قراه وأكرم مثواه- لكن ذكره لم يمت فقد عد من أنبغ العلماء وأكثرهم تصنيفا وتأليفا بعد الإمام الطبري.

أقوال العلماء في ابن حزم

يعد ابن حزم المنشئ الأصلي لمدرسة التفسير التي أسست فهمها للنصوص الدينية على المعنى الظاهري للمفاهيم الكتابية بدلاً من معناها الخفي، لقد جادل بأن هناك مكانًا للعقل في فهم الكتاب المقدس، ولكن يجب استخدامه في سياق الوحي ومحدود بشدة من حيث ما يمكن أن يبرهن عليه، يعتمد منهجه على فكرة أن لغة وسياق النصوص الدينية كافيان لقرائها لفهمها، وأنه ليست هناك حاجة لاستخدام مفاهيم أخرى مثل القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي.

وقد انطلق الإمام ابن حزم من قناعته بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، إذ لا يقبل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض الظن، ومع ذلك لا يمكن إنكار ما له من إيمان ودين ومعرفة واسعة، زما قدمه للأسلام والمسلمين من علم جليل.

قال فيه الشيخ الإسلام ابن تيمية:” وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل، فإنه يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره من باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث، ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك، وإن كان ابن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه ظاهر لا باطن له، كما نفى المعاني في الأمر والنهي مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظاهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر، ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ما لا يجتمع مثله لغيره”.

وقال عنه ابن كثير:” كان ينتقد العلماء كثيراً شفهياً وكتابياً، مما أدى إلى توليد الاستياء في نفوس معاصريه، وظلوا يحاولون حتى جعلوا أهل السلطة يكرهونه، وطردوه من مدينته، حتى مات في قرية في شعبان من ذلك العام، وكان قد تجاوز التسعين، والعجيب أنه كان حَرفيًّا مشوشًا في الأمور الصغيرة، ولم يؤمن بالقياس، سواء كان واضحًا أو غير ذلك، وقد أدى ذلك إلى فقد العلماء احترامهم له، وأوقعه في أخطاء جسيمة في آرائه وسلوكه، ومع ذلك فقد كان هو من حاول أن يجد تفسيرات غير المعنى الظاهر عند تناول القضايا الأساسية والآيات والأحاديث التي تتحدث عن الآيات الإلهية”.

أسماء الكتب

ويظل ابن حزم، عالم فاضل سخر حياته لخدمة الدين وتأليف كتب عديدة كثير منها فقد وما بقي منها يشهد هلى نبوغه وسعة علمه، ومن بينها:

  • الفصل في الملل والأهواء والنحل.
  • حجة الوداع.
  • المحلى شرح المجلى.
  • الإحكام في أصول الأحكام.
  • الأخلاق والسير في مداواة النفوس.
  • في تكريب ليهادي المنطق.
  • ملاخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل.
  • جمهرة أنساب العرب.
  • الرسالة الباهرة.
  • التلخيص لوجوه التخليص.
  • طوق الحمامة في الألفة والإيلاف.

أقوال ابن حزم

كان ابن حزم عفيفا نقيا، نبيها فهيما ترك أقوالا كثيرة، معانيها عميقة وقوية تفيض حكمة وتشع نورا منها:

  •  لا تستغل طاقتك إلا في سبيل أشرف منك.
  • من يستغل طاقته لخدمة باطل الدنيا كمن يستبدل الأحجار الكريمة بالحصى”
  • لا يمكن العثور على مثل هذه القضية إلا في خدمة الله: الدعوة إلى الحق، الدفاع عن المرأة، نبذ الذل، ومساعدة المظلومين.
  • إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك، وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال دنياك، إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط، لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن، إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه، ولا بد من أحد هذين الشيئين، إلا العمل لله عز وجل فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل، أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس وإنك به معظم من الصديق والعدو، وأما في الآجل فالجنة.

المراجع:

  • (1)- ابن كثير، البداية والنهاية (12/ 98).
  • (2)- القاضي ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (3/ 325).

486 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *