العلمانية بين التنظير والتطبيق

العلمانية بين التنظير والتطبيق

تقديم

ظهرت فكرة العلمانية (اللائكية) في الغرب وتقوم على مبدأ إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل والتجريب وركن الدين جانبا بفصله عن الدولة وحياة المجتمع، أي الاهتمام بالعالم الأرضي أو الدنيا دون الاهتمام بالعالم الروحي والأخروي، وهذا الفكر قد يكون مقبولا في المجتمعات الغربية التي تعاني فراغا روحيا كبيرا عكس أمة الإسلام التي تحتكم لشرع احتوى كل مناحي الحياة الدنيوية والدينية معا،غير أن النفوذ الغربي في وطننا العربي وجد الطريق معبدا لنشر أباطيله ومغالطاته، فهو على قناعة تامة بأن قوتنا في التزامنا بديننا وما سدنا المعمورة إلا وقت تمسك قادة المسلمين بتطبيق تعاليم الشريعة وهذا يتعارض مع مصالح دعاة العلمانية الساعين للهيمنة علينا واستغلال ثرواتنا الطبيعية بل واستعبادنا بمفاهيم يدّعون تبنيها وهم في الحقيقة يرفضونها.

هل حقا الغرب علماني؟

كثيرا ما يدعي الغربيون أنهم يكفلون الحقوق ومنها حرية المعتقد وإبعاد الدين عن الحياة السياسية، لكن ذلك يبقى أمرا نظريا فحسب  لأن ممارساتهم وأقاويلهم نقيضان، فمثلا اعتماد العطل عندهم يكون على أساس ديني بدءا بعطلة نهاية الأسبوع من سبت وأحد وهو يوم الصلاة للمسيحيين وصولا إلى عيد الميلاد واثنين الفصح وغيرها من المناسبات الدينية التي تبرمج سنويا وتلتزم بها جميع هياكل الدولة، حتى في المدارس تعد وجبة السمك للتلاميذ يوم الجمعة ووهذا التقليد له خلفية دينية، زد على ذلك تعليق الصلبان على أبواب مؤسسات حكومية وكذا دعم المسيحية بتمويل المدارس الدينية و إعداد القساوسة  وتخصيص ميزانيات لإصدار المطبوعات التبشيرية فضلا عن التصريحات المباشرة التي لا تحتاج لتأويلات وتؤكد دعم معتقداتهم المحرفة وأبرزها  للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي قال بصريح العبارة أنه سيشن حربا صليبية على الإرهاب.

تصدير العلمانية إلى الوطن العربي

أول همّ يحمله العلمانيون هو ضرب الإسلام  بجعله مجرد شعائر وطقوس تدعم الرجعية والأصولية وتعمل على ترك المجتمع متخلفا ظالما، يحد من الحريات  كما أنه يدعو للعنف والهمجية ويسعون لتفسير آيات الجهاد حسب أهوائهم على أنها تعطش للدماء وغيرها من الافتراءات والأكاذيب لنشر أفكار ضالة تسعى لفصل العبد عن ربه و تنشئة الأجيال على أسس غير دينية، والدعوة لتحرير المرأة التي يحبذونها خليلة في سوق الرذيلة على أن تكون زوجة ثانية بتهمة التعدد، والنتيجة الحتمية هي نشر الإباحية وتهديم الكيان الأسري والروابط الاجتماعية بالتخلي عن القيم الروحية واعتماد مبدأ تبادل المنفعة المادية لبناء دولة مقوّماتها العلم والعقل والحرية المطلقة بعيدا عن الدين.

إن الله تعالى لم يخلقنا عبثا لذا أعطانا منهاجا ربانيا منزها لو اتبعناه لحققنا السعادة في الدارين، فكتابنا العظيم وسنة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام قد حددا كل التعاملات وفي شتى المجالات الاقتصادية السياسية الاجتماعية وحتى الثقافية، وإذا كان الغرب بحاجة لعلمانية تسيرهم فالميلمون في غنى عنها لأن الإسلام دين ودولة، ويستحيل أن يكون المسلم علمانيا لأن ذلك مخالف لعقيدته وحياته كلها لله.

كيف سيرضى التعامل بالأنظمة الربوية وفي ذلك إثم كبير وكيف  سيتاجر بالخمور وهذا محرم وغيرها من الحدود التي لا يجب تخطيها، فضلا عن الأحكام التي عليه الالتزام بها ولو فعل لضمن حقوقه وحقوق غيره، فلو أن كل سارق قامت عليه الحجة وقطعت يده هل ستمتد أياد أخرى لما ليس لها، ولو اقتص من كل قاتل متعمد هل سنرى بعد ما يجتاح المجتمعات من إجرام وانحراف  نتاج تعطيل للشرع وتبني علمانية  تفسح المجال لانتشار الإلحاد وتغييب الوازع بالفساد والإنحلال كما يحدث بالغرب الذي يبيح العلاقات الحرة بين الجنس الواحد  ولممارساته الدنيئة وهذا منتهى الانحطاط وما لا يرضاه صاحب عقل سوي.

العلمانية ونظرية الإسلامفوبيا

حملة شرسة تتبنى العداء للإسلام وأولها ما يعرف بالإسلامفوبيا وهو التخويف من الاسلام بأنه الخطر الزاحف الذي يجب مواجهته بالترهيب والتحريض لكسب أكبر عدد من المؤيدين، وكذا ما يصحبه من إساءات للمقدسات والمساس بشخص سيد الخلق أجمعين نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، فينفثون سمومهم بتشجيع الطائفية، ويشعلون نيران الفتنة بالتفرقة وإدخال فلسفات جديدة وتسميات متعددة فهذه سلفية علمية وأخرى جهادية والحقيقة أن السلفية منهاج واحد لإتباع السلف الصالح الذي لنا فيه أسوة حسنة فصلابة البناء من متانة الأساس، وهذا ما لا يريدون أن يتحقق فيجتهدون بدعم المعتقدات الباطلة من تشجيع للقبوريين وتبرك بالأولياء وغيرها من الضلالات والبدع التي تضعف كيان الأمة وتفتح لهم الباب على مصراعيه للتدخل في الشؤون بحجة ضمان الحقوق والحريات ولكنهم أول من يخترقها بالاغتيالات والسجن التعذيب وشراء الذمم لصناعة أنظمة عميلة وطبقة سياسية فاسدة تعمل على تضليل الرأي العام بالقهر أو الحروب الأهلية والتناحر.

هم يزعمون أنهم يحترمون اختيارات الشعوب غير أنهم سرعان ما يعارضونها إن توافقت مع الحكم الاسلامي ويحاولون خلط الأوراق ولكن الله تعالى قوّم أناسا لن يكلوا ولن يملوا حتى يرفعوا رايته عاليا فلن يصلح زمان أو مكان إلا بالإسلام.

خير أمة أخرجت للناس

متى كانت الأمة العربية في أوج قوتها ؟ ألم يكن ذلك وقتما حكّمت شرع الله فسادت الدنيا وقامت بفتوحات وصلت إلى جنوب فرنسا، وحضارة الأندلس في اسبانيا مازالت تشهد لليوم على تطور المسلمين وتفوقهم في حين كانت أوروبا التي ينبهر بها البعض الآن تعيش في الظلمات، تعدم العلماء وتبحث في ماهية المرأة إن كانت انسانا أو شيطانا لتحقق حرية الوصول إليها تحت شعار حقوقها وحريتها، منذ متى فقدت الأمة هيبتها ومكانتها بين الأمم أوليس لحظة التنكر لتعاليم الدين الحنيف والإنشغال عنه بالدنيا وملذاتها.

صلاح الأمة وقوتها وتطورها في ودينها العظيم فهو كامل متكامل ولا نقائص فيه وما من حاجة لنظريات وتجارب وليدة دسائس ومخططات وبرتوكولات خفية لا يمكنها تغيير قناعة وإيمان خير أمة أخرجت للناس ووفقت بين شرائع السماء ومطالب الأرض.

334 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *