لمحة تاريخية عن قصبة هدراش

لمحة تاريخية عن قصبة هدراش

المرجع الوحيد الذي اعتمد عليه المؤرخون للحديث عن تاريخ قصبة هدراش، هو كتاب الأسير الفرنسي مويط الذي باعه قراصنة سلا في سوق النخاسة سنة 1670م. بعد عامين سيرحل إلى مدينة مكناس للاشتغال ببناء وتشييد القصور والقلاع وغراسة البساتين. يقول في كتابه أن السلطان المولى إسماعيل بنى قصبة صغيرة في الجزء الجنوبي الشرقي من القصبة الاسماعيلية، سماها قصبة الاودايا سنة 1680م، لتحمل فيما بعد إسم قائدها الأول هدراش (عرف بتنظيم الجهاد البحري، أي قرصان من قراصنة البحر كما لقبهم النصارى).

سكن بالقصبة رحى الاوداية (أخوال السلطان)،وهو قسم من جيش الاوداية الذي كان يتألف كذلك من رحى المغافرة ورحى أهل سوس. بعد ذلك سينتقل هذا الجزء من الجيش إلى مدينة رياض العنبري ( حي راقي بمكناس به قصور في غاية الروعة لكبار شخصيات الدولة)، والباقي سيرحل إلى مدينة فاس.

من هنا يتضح أن جيش عبيد البخاري ليسوا بالسكان الأوائل لقصبة هدراش كما أسلفت سابقا. يرجع الفضل في إحياء هذا الجيش إلى أبو حفص بن القاسم المراكشي المعروف باسم عليليش، والده كان كاتبا عند أحمد المنصور السعدي، ولديه دفتر به أسماء العبيد الذين جندهم السلطان السعدي بمعسكراته. أضاف إليهم السلطان المولى اسماعيل عبيدا من مناطق أخرى (أطلق عليهم فيما بعد بالحراطين)، حيث أصدر أمرا بمنع امتلاك الرقيق وجعلهم جميعا تابعين للدولة. وصل عددهم في أواخر أيامه ما يناهز مائة وخمسين ألف محارب؛ سبعون ألفا بمحلة مشرع الرمل قرب مكناسة، والباقي موزعون على ستة وسبعين قلعة من بينها قصبة هدراش. هاته القصبة كانت تضم مسجدا (جامع للا خضرا)، منزلا لقائدها المسؤول عن سلامة منطقة حراسته، وهو معرض للمحاسبة إذا أخل بالتزاماته. يترأس من 400 إلى 3000 من عبيد البخاري مصحوبين بخيلهم وعائلاتهم، يحرسون الطرقات ويحمون الثغور، وهم في غاية من الكفاية. كل قبيلة تدفع أعشارها في هري القصبة لعولة الجيش وعلف الخيل. يقول أبو القاسم الزياني أن البلاد كانت في أمن وعافية، تخرج المرأة والذمي من وجدة إلى واد نول ولا يجدان من يسألهما من أين وإلى أين. الرخاء المفرط، لا قيمة للزرع ولا الماشية.

بعد وفاة السلطان مولاي اسماعيل تلاشت أيام الرخاء والازدهار، بعدما كانت مكناس جنة الله في أرضه أصبحت حصيدا كأن لم تغن بالأمس، بسبب الحروب والصراعات بين أبناء السلطان السبعة على السلطة. انقطعت المؤن عن جيش البخاري وانخفضت مرتباتهم، مما أدى بهم إلى التنكيل بأهل مكناس وسرقة زرعهم، بل حتى أبواب القصبة لم تسلم من هذا النهب. وقع من الفتن ما لا يخطر على بال. تعرضت العاصمة الإسماعيلية لزلزال عنيف سنة 1176هجرية، حيث قضى نصف الساكنة نحبهم، وهلك تحت الأنقاض خمسة آلاف من العبيد. دمرت العديد من المعالم بالقصبة منها جامع للا خضرا، والذي سيقوم السلطان سيدي محمد بن عبد الله فيما بعد بإعادة بنائه.

حفيد السلطان المولى إسماعيل محمد الثالث بن عبد الله سيعيد جمع شتات جيش عبيد البخاري (سكان قصبة هدراش الأقدمون بعد رحيل رحى الاوداية) ويعيد لهم الاعتبار؛ لكنهم تآمروا ضده وحرضوا ابنه اليزيد عليه، فسادهم في القبائل مع قلة المطر أدى إلى مجاعة وقحط أتى على الأخضر واليابس ( ما بين سنة 1776 و 1782 م)، لدرجة أن الناس أكلوا الميتة والدم والخنزير والآدمي.

بفضل شجاعة السلطان وحكمته هزم جيش البخاري، وعفا عن ابنه اليزيد الذي كان مختبئا بضريح سيدي علي بن حمدوش بزرهون. تمكن من كسر شوكتهم، وذلك بنفي عدد كبير منهم إلى الرباط، طنجة، العرائش، سوس ومراكش….

ولله الأمر من قبل ومن بعد كما كان يقول مؤرخ المملكة العلامة عبد الرحمان بن زيدان رحمه الله.

ملاحظة: كلمة عبيد لا تعني أنهم كانوا رقيقا في الجيش. هناك روايات تقول أن السلطان المولى اسماعيل أمسك بكتاب صحيح البخاري ثم خاطبهم قائلا: نحن جميعا عبيد لهذا الكتاب، أي نتبع أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونجتنب نواهيه.

مصطلح حرطاني هي في الأصل حرثاني، أي كان في الأصل عبدا مملوكا ثم عتقت رقبته فأصبح حرا.

رشيدي أناس


المراجع:

-كتاب الأسير الفرنسي مويط

-البستان الظريف لأبو القاسم الزياني

-إتحاف أعلام الناس ج1 لعبد الرحمان بن زيدان

-معلمة المغرب للجمعية المغربية للتأليف والنشر والترجمة

456 مشاهدة