حين يسمو بنا الحب

حين يسمو بنا الحب

يقول عبد الرحمان منيف: “العلاقات بين البشر, أية علاقات, تجعلك تشعر بالدفء, بالحب, بالارتباط, هذا في النتيجة هو الوطن” (الآن..هنا ص478).

حينما تجد نفسك مطوقا بحب الناس وتقديرهم, فاعلم أن الباري عز وجل انتقاك لتكون من الأبرار الأخيار، وأن الحياة قد سيقت إليك سوقا، وأوتيت نعيمها المقيم, ودخلت سعادتها من أوسع الأبواب, فلا تبحث عن شيء آخر, وإلا فستكون في وضع التي نقضت غزلها.

ليكن الحب عملتك التي لا عملة لك غيرها, انثر وروده في كل مكان, وتأكد أن الصدى سيرجع إليك, وأنك ستحصد أضعاف أضعاف ما زرعت, سيحبك البشر والشجر والحجر, وسترفل في متعة الإحساس بالانتشاء وأنت ترى زرعك قد أتى أكله وأثمر من كل حب بهيج، ولا شك أن اللغة ستخونني إذا أنا غامرت بوصف ما قد تستمتع به في جنة الحب من مشاعر تجل عن الوصف، وتعانده.

تأكد أن حب الناس سيمتعك بالصحة والعافية, وسيحجز عنك الهموم والغموم, وسيجعلك راضيا مرضيا, دائم العطاء, ناظرا إلى الدنيا بعين الرضا, غير آبه لصراع الآخرين التافه من أجل فتات دنيا زائلة, محتقرا حالهم, وما هم فيه من عراك وخصام وحفر لأخاديد الوقيعة بين بعضهم بعضا.

حب الناس يدفع عنك مصائب الدنيا, وثمة من ذهب به هذا الإحساس بعيدا, فاعتقد اعتقادا جازما إمكان تمتيعه إياه بالحياة الدائمة, وصرفه الموت عنه, يقول الشاعر:
ولو شهدتني حين تحضر منيتي….جلا سكراتِ الموت عني كلامُها
في إحدى شهاداتها قالت “عبلة الرويني” زوج الشاعر المرحوم “أمل دنقل” الذي أصيب في أواخر حياته بالمرض الخبيث: “حب الناس لزوجي أخر موته لسنوات“.

لابد من كلمة إلى تجار الحب، عساهم يكفوا عن تجارتهم البائرة، فالحب هو لغة القلوب, وله اتصال مباشر بالسلوك والمعاملة, فهو ليس مجرد كلمات عقيمة تنطقها, دون أن يكون لها أصل قلبي مكين, وليس مجرد واجهة تموه بها عن داخل يعج بالحقد والكراهية, قد يكون لعبة تمارسها بعض الوقت, لكن تأكد أن الزمن سيكشفك, ويظهر حقيقتك سافرة عارية, فخير لك أن ألا تتاجر في هذا المقدس, لأن لعنة المدنس ستلاحقك, وتسقط قناعك لتكشف بشاعتك, ولتضعك موضع الرجم واللعن والشتم, فإن كنت من أصحاب القلوب الصلدة الجافة, فلا تضف إلى سيئتك جرم المخاتلة والكذب والتمويه, وتأكد أن ازدواجيتك هذه ستكون سبب خسرانك وانهيارك, وستضيف إليك ذنوبا جديدة, كما يضيف الحب الصادق حسنات جديدة إلى المتسلحين به, ويكفر عنهم سيئاتهم, يقول الشاعر:
أترون ذنبا أن نحبهم…….بل حبهم كفارة الذنب.

321 مشاهدة