لماذا لا يدرج التاريخ الإسلامي في المناهج الدراسية؟

لماذا لا يدرج التاريخ الإسلامي في المناهج الدراسية؟

اضرب بطرفك من شرق الأمة إلى غربها ثم ارجع البصر كرّتين، وسأجزم لك بأنك لن تجد التاريخ الإسلامي يدرّس للتلاميذ والطلبة عندنا، وإن دُرّس فستجدها قشورا تذروها الرياح لا تسمن ولا تغن شيئا، وستجده يدرّس بعد ذلك في الجامعات.. وكأنه شيء لا يهم في مراحل سابقة.. بينما أذكر أننا درسنا تاريخ أوروبا وخصوصا نهضتها ونحن في المتوسط.. وهي النهضة التي كانت على أنقاضنا، ولكنهم لم يقولوا لنا ذلك!

لست ضد تدريس تاريخ أوروبا أو تاريخ الهند الحمر أو حتى تاريخ المخلوقات الفضائية، فسنستفيد أكيد.. ولكن التاريخ الإسلامي هو هويتنا وروحنا وعروقنا وجذورنا، فيه أخطاؤنا الكارثية وإنجازاتنا العظيمة، ومن هاذين الإثنين – الأخطاء والأمجاد – نتعلم، نتعلم لنأخذ الدروس وبعد أن نتعلم سننهض.. ومن أجل هذا تحديدا لم يريدوا لنا ولن يريدوا لأولادنا وأحفادنا أن يدرسوا ذلك التاريخ!

لست أتحدث عن “المؤامرات الخارجية” في منع تدريس هذا التاريخ بل عن الحكومات عندنا، فهي المسؤولة وحدها، وقد جاؤونا ببدعة “علمنة التعليم”، بما يعني طرد الدين من المدرسة ومحاصرته في المساجد تمهيدا لتقزيمه أكثر، فيما الحديث هنا عن تاريخ فحسب لا صلاة فيه ولا عقيدة ولا زكاة، ولكنهم عندما اشتموا العلاقة الوطيدة بين ديننا وتاريخنا نبذوا الاثنين معا!

في الغرب يدرسون تاريخهم الديني، الحروب الصليبية، يعرفون جذور أزمتهم.. يدرسون ما فعلته بهم الكنيسة في عصور ظلامهم.. درسوا كل ذلك وفهموا فنهضوا.

فهل يُعقل أن لا تدرّس قرابة 15 قرنا من تاريخنا.. إنها أمم تدفع أمما.. سنتعلم الكثير منهم.. من سيرة النبي وخلفائه، من انقسام المسلمين في صفّين، من الدولة الأموية التي انهارت بعد قرابة تسعين عاما، من الدولة العباسية التي حكمت 524 عاما (أكثر من خمسة قرون)، من الدولة العثمانية التي عمّرت ستة قرون، من الأندلس التي بقي المسلمون فيها قرابة ثمانية قرون.. من كثير كثير كثير جدا من هذه الأمة العظيمة بكل أعراقها؛ عربا وتُركًا وكُردا وبربرا وغيرهم وغيرهم.. فمن هذا الخبيث الذي يمنع كل هذا!؟

إنها أمّة امتدّت على عرض الأرض من أقاصي الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا، وامتدت عموديا من جنوب فرنسا شمالا إلى السنغال ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وجزر القمر جنوبا.. إنها أعظم خريطة وصلتها أمة على الإطلاق، فكيف لا يُدرّس تاريخ هذه الجغرافيا العملاقة!؟ ألم تتساءل يوم عن هذا الأمر الخطير والمريب!؟

سأروي هنا قصة حدثت بعد سقوط الدولة الأموية، وستدرك بعدها لماذا منعوا التاريخ الإسلامي عنّا ولماذا سيستمرون في ذلك، إن لم يوقفهم أحد!

سأل رجل رجلا من بني أميّة: ما سبب زوال ملككم؟ فأجاب الأمويّ:“ إنا قد شُغلنا بملذّاتنا عن تفقّد ما كان تفقّدُه يلزمُنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعها وأمضوا أمورًا دوننا أخفوا علمها عنا، وظُلمت رعيتنا ففسدت نياتهم لنا ويئسوا من إنصافنا فتمنوا الراحة لغيرنا، وخرِبت معايشهم فخرِبت بيوت أموالنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم مخالفونا فتظاهروا على أمرنا، وطلبَنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا وكان أوّل زوال ملكنا استتار الأخبار عنّا“.

لقد لخّص هذا الرجل كل شيء، وما قاله ينطبق تماما وبالحرف على ما نحن فيه.. ومن هذا الجواب وحده ستتعلم الكثير من الدروس، فكيف بتاريخ عمره قرون وقرون وقرون.. فهل يعقلون!؟

في منشور سابق بعنوان “ماذا قال المؤرخ البريطاني الخطير توينبي لتلميذ مالك بن نبي“، أوردت بأن توينبي تحدث كثيرا عن دور الدين في بناء الحضارات (يتفق مع بن نبي هنا) وطالب بتدريس التاريخ الديني كأولوية..

باختصار؛ الدين محرك الأمة لذلك وجب تعطيله حيثما وجد، سواء في التاريخ أو السينما أو قصص الأطفال أو حتى في الأحلام..


بقلم رئيس تحرير موقع زاد دي زاد: مسعود هدنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!